التصنيفاتالاقتصاد

ميزانية المملكة، والإصلاحات الاقتصادية

أعلنت المملكة العربية السعودية عن عجزاً في الميزانية يقدّر بـ ٧٩ مليار دولار للسنة الحالية ــ ما يعادل ٢٩٧ مليار ريال ــ، وهو أقل من العجز الذي كان متوقعاً في بداية السنة، والذي بلغ ٣٢٧ مليار ريال، حيث شكّل العجز الفعلي ١١٪‏ من الناتج الإجمالي المحلي للمملكة في السنة الحالية. الجدير بالذكر أن العجز المُعلن في السنة الحالية كان أقل من عجز السنة الماضية، والذي بلغ ٣٦٧ مليار ريال، وهو الذي يعتبر إنجازاً مذهلاً للممكة عند النظر إلى الظروف الاقتصادية والجيوسياسية المحيطة بها، كانخفاض أسعار النفط وحرب اليمن، مما يعزز ثقة المستثمر الدولي بمتانة الاقتصاد السعودي، وهذا ما ظهر جليّاً عندما طرحت الحكومة السعودية سنداتها قبل أشهر قليلة، لتُقابَل بكمية طلب هائلة لم تُسبق. فعلى الرغم من تلك الظروف أيضاً، قررت المملكة زيادة المصروفات في السنة القادمة، وهو الذي يعكس التوجه التوسعي الذي بدأت تأخذه السياسة المالية للمملكة.

 

لعل الأمر الملاحظ هو التغيّر الإيجابي الذي صاحب الإعلان عن الميزانية هذه السنة، ففي السابق كان الإعلان يقتصر على الميزانية فقط، أما هذه المرة فقد أتى الإعلان بشفافية عالية وفق برنامج اقتصادي إصلاحي واضح المعالم والأهداف خلال إطار زمني محدد ــ خمسة سنوات ــ، بحيث يكون الإعلان عن الميزانية مجرد جزء من البرنامج، وهو تغيّر إعلامي يُحسب للمملكة. من خلال برنامجها الاقتصادي، تخطط المملكة لتحويل العجز المُعلن إلى فائض خلال  أقل من خمسة سنوات، أي بحلول عام ٢٠١٩، سيتم تغطية العجز بالكامل. يجدُر الذكر أن البرنامج يشمل توقعات دقيقة لبنود الميزانية لكل سنة من السنوات، أي أن الخطة تسري وفق أكثر من سيناريو تحليلي وُضع بحذر من قبل الحكومة السعودية، ففي السيناريو الطبيعي، سيتم تحقيق أول فائض في سنة ٢٠١٩، أما في السيناريو المتحفّظ ــ الأكثر تشاؤماً ــ، فسيتم تحقيق أول فائض في سنة ٢٠٢٠.

 

ولتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية بين فئات المجتمع ــ خصوصاً بعد رفع الدعم عن بعض السلع ــ، استحدثت المملكة برنامج حساب المواطن، والذي سيدخل حيز التنفيذ في شهر فبراير القادم، بشكل مختصر جداً، يهدف البرنامج إلى مساعدة المواطنين ذوي الدخل المحدود فقط، ومازالت المملكة تدرس آلية تصنيف الفئات، حتى تتم بشكل عادل، فأتوقع شخصياً أنها لن تكن مرتبطة بالراتب الشهري بل بمجموع الدخل الشهري سواء من رواتب أو ممتلكات شخصية كالعقار مثلاً. على الرغم من ذلك، يعتبر البرنامج خطوة ممتازة لامتصاص الآثار الاقتصادية السلبية التي قد يواجهها صاحب الدخل المحدود، وأتوقع أيضاً استحداث برامج مشابهة في دول الخليج، أسوة بالمملكة.

 في الأوضاع الاقتصادية الراهنة، أصبحت الشفافية ضرورة قصوى عند الإعلان عن ميزانيات الدول وبرامجها الاقتصادية الإصلاحية، على أن يتم الإعلان عن تلك البرامج وفق إحصائيات وأرقام محددة، ومعايير اقتصادية قابلة للقياس والتقييم. بالإضافة إلى ذلك، يجب إراحة كاهل الدولة وإشراك القطاع الخاص في بعض القطاعات الحكومية القائمة على أمور وإجراءات روتينية، وهو الذي جاء من ضمن الأولويات الاقتصادية  لرؤية ٢٠٣٠ للمملكة.

 

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.