التصنيفاتالأسواق المالية

التركيبة الجزئية للأسواق

تعتبر دراسة التركيبة الجزئية (أو المصغرة) للأسواق أحد أهم أفرع البحث والدراسة في تخصص التمويل بشكل عام، وفي دراسة الأسواق بشكل خاص. تهتم دراسة التركيبة الجزئية للأسواق بالتفاصيل الصغيرة التي تحدد عمل الأسواق، والتي عادة ما تهمل عند النظر للأسواق بنظرة شمولية وغير دقيقة. تتضمن القائمة التالية بعض المحددات التي تعنى بها دراسة التركيبة الجزئية للأسواق.


أسعار الأصول: ما هي محددات أسعار الأصول باسثتناء العرض والطلب؟ ماهي الطرق التي يستعملها السوق في عرض أسعار الأصول؟ (وهل هي أفضل الطرق؟) كيف تتم عملية تكوين الأسعار في السوق؟

وحدة التغير في السعر: كيف يتم تحديد وحدة التغير في سعر الأصل؟ عادة ما تقوم الأسواق بربط سعر الأصل بوحدة التغير في السعر، حيث تزيد الوحدة بزيادة سعر الأصل، والعكس صحيح. لكن، على أي ساس يتم هذا الربط؟ وما هي تأثيرات زيادة أو نقصان وحدة التغير في السعر على الربحية والمنافسة في السوق؟

آلية مطابقة الأوامر والصفقات: ماهي الطرق المستعملة لمطابقة الأوامر والصفقات؟ هل تضمن هذه الطرق تحسين الأسعار في السوق؟  على سبيل المثال، تقوم أغلب الأسواق المالية بالعالم بمنح أولوية تنفيذ الأمر (الطلب) للمستمثر الذي يقوم بتحسين السعر، عن طريق إخفاض سعر البيع أو رفع سعر الشراء. بالإضافة إلى ذلك، تسعى معظم الأسواق إلى تسريع عملية المطابقة بأكبر قدر ممكن لتقليل تكاليف الصفقات.

نوعية الأوامر المتوفرة: ماهي الأوامر المتاحة للمتداولين في السوق ومدى كفايتها؟ هل السوق بحاجة إلى استحداث أنواع جديدة من الطلبات؟ كيف يتم التنسيق بين هذه الأوامر بطريقة تضمن استمرارية التداول في السوق دون الضرر بالأوامر السوقية؟

حجم وعمق التداول (السيولة): ماهي محددات حجم التداول في السوق؟ ماهي علاقة حجم التداول بعملية تكوين الأسعار؟ كيف يتعامل السوق مع الأصول شحيحة الطلب؟


من الناحية الأكاديمية، يعتبر هذا المجال من أحد أقدم المجالات في البحث التي تعرضت لنوع من الركود في العقد الماضي قبل أن يتم إعادة إحيائها في الفترة الأخيرة نظراً لما تعرضت إليه الأسواق المالية من طفرة تكنولوجية أدت إلى تغيير أغلب المفاهيم المتعلقة في التركيبة الجزئية للأسواق. أحد أشكال هذه الطفرة تتمثل في التطور المذهل في التكنولوجيا ووسائل التداول، كانتشار التداول عن طريق الخوارزميات البرمجية والتداول عالي التردد. بطبيعة الحال، شهدت الأسواق المالية تغييرات كبيرة في سرعة التداول وبالتالي أصبحت الأسعار أكثر عرضة للتقلب، كما زاد حجم التداول بشكل جذري وملفت نظراً لسيطرة التداول عالي التردد على كمية كبيرة جداً من مجموع أحجام التداول. بالإضافة إلى ذلك، سمحت التطورات باستحداث أنواع جديدة من الأوامر، حيث يحتوي السوق الأمريكي الآن على ما يزيد عن العشرين نوع من الأوامر المختلفة. بالتالي، يتطلب على الباحثين في هذا المجال استحداث تغييرات جذرية حول المفاهيم المتعلقة بالتركيبة الجزئية للأسواق، على سبيل المثال، اقترحت ماوريين أوهارا وهي أحد أكبر الباحثين في مجال التركيبة الجزئية للأسواق التخلي عن الساعة التقليدية (الوقت) والانتقال إلى ساعة مبنية على حجم التداول، أي بناءاً على أحجام تداول ثابتة، كالنظر إلى سعر الأصل بعد عشرين صفقة، بدلاً من الدقيقتين أو الثلاث.

إذاً، تطبيقات هذا المجال كثيرة جداً خصوصاً في المجال الأكاديمي، ولكن مؤخراً وخصوصاً بعد قيام المشرع الأمريكي باستحداث قانون 2007 الذي يضمن سيولة الأسواق، بدأ الالتفات لهذا المجال على المستوى العملي، حيث انتشرت في أمريكا العديد من الأسواق الالكترونية (ما يزيد عن 10 أسواق) لتنافس الأسواق التقليدية على السيولة. بالطبع، إنشاء أي سوق مالي يتطلب الدقة المتناهية في صنع تركيبة جزئية مثالية تضمن حق المتداول وتحمي المستمثرين.

سيتم التطرق في المقالات القادمة إلى استغلال بعض المتداولين لأشهر الثغرات في تركيبات الأسواق الجزئية، لتحقيق عائد لحظي ومضمون.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.