التصنيفاتالأسواق المالية

ثورة البيانات الاقتصادية

 لفترة طويلة من السنوات، اعتاد مستخدمو البيانات المالية على نمط معيّن من الاستخدام لتلك البيانات، فالمتداول يستند في قراراته على البيانات المالية للشركات، أو التحركات التقنية للأسعار، أما المساهم فيراقب البيانات المالية للشركة عن كثب، وكذلك الأكاديمي، أو الباحث، فلطالما كان يعتمد على البيانات المالية التقليدية، كالقوائم المالية، والمؤشرات العامة مثل العائد على السهم والقيمة الدفترية على سبيل المثال. ربما ما زال البعض يعتمد على تلك البيانات إلى يومنا الحالي، باعتبارها ركائز أساسية لا يمكن الحياد عنها، ولكن، بدأت تتبلور في السنوات الأخيرة عقلية جديدة للتعامل مع البيانات، لتشكّل ما يسميه البعض اليوم بـ”ثورة البيانات” في الأسواق المالية.

 من وجهة نظر شخصية، أعتبر ثورة البيانات نتاج تطوّر طبيعي للأسواق المالية، ولمستخدميها أيضاً، فكما ذكرت في أحد المقالات السابقة، لا تستقطب الأسواق المالية اليوم خرّيجي إدارة الأعمال والتمويل بقدر ما تستقطب خرّيجي علوم الكمبيوتر، الرياضيات، والبرمجة. على سبيل المثال، يقوم الآن معهد ماساشوستس للتكنولوجيا بتوفير درجة الماجستير في التحليل المالي الذي يعتمد على طرق التنقيب عن البيانات، والتعامل مع كميات البيانات الهائلة والضخمة، وهو برنامج يطرح للمرة الأولى في تاريخ المعهد، مما يثبت أهمية هذا المجال في وقتنا الحالي لدرجة ظهور مسمى “عالم البيانات” وهو أحد أكثر الوظائف تعقيداً في الأسواق والمالية، وكذلك من أعلى الوظائف أجوراً بطبيعة الحال.

 ظهرت ثورة البيانات بسبب التطور الهائل الذي تمر به الأسواق المالية اليوم، بالإضافة إلى كبر حجمها تدريجياً. لذلك، إذا ماقمت بدمج هاذين العاملين، سينتج كم هائل من البيانات تصل إلى أرقام فلكية لا يمكن للعقل البشري أن يستوعبها، أضف إلى ذلك كون بعض هذه البيانات تصدر بشكل يومي. إذاً، يجب على عالم البيانات الحفر و”التنقيب” في هذه البيانات لمحاولة الحصول على أكبر فائدة منها، كإيجاد علاقات بين عوامل معيّنة، سواء المنطقي منها أو غير المنطقي. على سبيل المثال، تستفيد شريحة كبيرة من مدراء المحافظ (بالأخص الفئة العمرية الشابة) من بيانات تداول غير تقليدية، كعدد متابعين الشركات في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ماحصل تماماً مع شركة وايفاير عندما أعلنت عن أرباحها، حيث استفاد عدد كيبر من مدراء المحافظ من ارتفاع السعر في وقت قياسي جداً، وبرّر أغلبهم هذه الاستفادة بسبب قيام علماء البيانات لديهم باستنتاج علاقات تكشف اتجاه سعر السهم مسبقاً، على الأقل في المدى القصير جداً.

 لتخيّل حجم البيانات ومعدل نموّها، ألق نظرة على الشكل التالي (المصدر: فايننشال تايمز):

 

43fccaea-f686-11e5-96db-fc683b5e52db.img

 

كما تلاحظ من الصورة، نحن نتعامل الآن مع بيانات تصل إلى ما يقارب الـ 8 زيتابايت، وهو ما يعادل 8 تريليون تيرابايت من البيانات. استناداً إلى البيانات الموفّرة من دويشته بانك، هناك مليار موقع على الانترنت، يصل حجمها إلى 500 أيكزابايت، وهو ما يعادل النصف مليار تيرابايت تقريباً، وهذه الأرقام قابلة للزيادة. الشكل التالي(المصدر: فايننشال تايمز) يبيّن النمو الهائل لعالم البيانات من المصادر المختلفة حول شبكة الانترنت.

 

55d2d656-f686-11e5-96db-fc683b5e52db.img

 

بالطبع، خلقت ثورة البيانات أيضاً صناعة جديدة، وهي “صناعة البيانات” إن صح التعبير، أي الشركات التي تختص بالتنقيب عن البيانات وترتيب البيانات الضخمة، حيث تهدف إلى تقديم خدماتها إلى المحللين الماليين ومدراء المحافظ بأنواعها المختلفة، مقابل مبالغ مالية طائلة، لصعوبة هذا العمل، وتكاليف العمل العالية التي غالباً ما تتطلب حواسيب فائقة السرعة، وعلماء بيانات أذكياء جداً.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.