التصنيفاتالعملات الرقمية

إيثيريوم، والانهيار اللحظي يوم أمس

انهارت العملة الرقمية إيثيريوم يوم أمس لحظياً لتهبط من 317 دولار تقريباً إلى 10 سنتات، مما يعني أنها فقدت أكثر من 99.9% من قيمتها خلال عدة دقائق فقط، قبل أن تعود لمستوياتها الطبيعية مرة أخرى. قد يبدو ظاهرياً أنها موجة عابرة ــ أو فلاش كراش ــ كالتي أصابت مؤشر داو جونز في مايو 2010، إلا أن الأمر في أسواق العملات الرقمية أكثر تعقيداً بكثير من الأسواق المالية التقليدية كأسواق الأسهم والسندات على الرغم من وجود العديد من أوجه التشابه، كتلك المتعلقة بنوعية الأوامر وتسويتها بين المتداولين، ولعل أسباب الاختلاف ترجع بشكل أساسي إلى اختلاف الطبيعة القانونية لأسواق العملات الرقمية، فعلى سبيل المثال، لا يوجد هناك “مجمّع” للأسعار كما هو الحال في أسواق المال الأمريكية، مما يخلق حواجز بين أسواق العملات الرقمية لتعمل بشكل شبه منفصل من ناحية توزيع الأوامر وآلية اكتشاف الأسعار، ولعل أكبر دليل على ذلك هو انهيار إيثيريوم في مجموعة قليلة فقط من الأسواق، دون أن يشعر المتداولون في باقي الأسواق بأثر هذا الانهيار اللحظي:

كان سوق “جي داكس” المتسبب الأكبر في إشعال فتيل الانهيار عندما سمح بإتمام أمر بيع ضخم جداً ــ 30 مليون دولار ــ أدى إلى استنزاف السيولة بشكل كبير جداً، ولعل الأمر الأسوأ هو تفعيل أكثر من 800 طلب “وقف خسارة” في وقت واحد، مما أدى إلى المزيد من أوامر البيع والدفع بالسعر إلى مستويات أدنى. الجدير بالذكر أن أوامر وقف الخسارة تتم بشكل أوتوماتيكي مما أدى إلى خسائر هائلة للعديد من المتداولين، على سبيل المثال، بسبب الهلع، قام البعض ببيع إيثريوم بأقل من دولار واحد أوتوماتيكياً عن طريق أوامر وقف الخسارة التي تقوم ببيع الأصول بأي سعر متوفر في السوق حالياً، مما أدى إلى اعتراض الكثير من المتداولين في سوق جي داكس ومطالبتهم باستعادة عملاتهم مرة أخرى، إلا أنه أمراً مستحيلاً لأنه يعتبر ضرباً واضحاً لآلية عمل الأسواق، ولعل المستفيد الأكبر من هذا السيناريو هو المتداول الذي قام بوضع أوامر شراء لإيثيريوم بأسعار زهيدة جداً، مما حدا بكثير من المتداولين الآن لوضع أوامر شراء بأسعار زهيدة جداً طمعاً بالاستفادة من أي فلاش كراش مستقبلي، وهو أمر محتمل جداً لسببين. أولاً، أصبح الطلب عالياً جداً على العملات الرقمية، مما يزيد من احتمالية الأوامر الكبيرة ــ سواء بيع أو شراء ــ، وهي التي بدورها تخلق آثاراً بالغة على الأسعار. ثانياً، تسيطر فئة الشباب على حصة كبيرة من كميات تداول العملات الرقمية، مما قد يكرر حدوث هذه السيناريوهات لقلة الخبرة في التداول، والتهور في وضع أوامر البيع والشراء. بالطبع، بعد فقد أكثر من 29% من السيولة في جدول الأوامر، قام سوق جي داكس بإيقاف التداول لحظياً وأصدر بيان رسمي لاحقاً لشرح ما حدث، إلا أنه لم يكن إجراءاً صحيحاً من وجهة نظري، لسبب بسيط، كان من الأجدر أن يقوم جي داكس بوضع “قاطع تيار” مبني على أسعار التداول ــ أسوة بالأسواق المالية التقليدية ــ عوضاً عن الاعتماد على مؤشرات السيولة، وهو ما يعكس الطابع الربحي البحت، وإن كان مبرراً إلى حد كبير.

لاحظ في الصورة أدناه كيف استفاد أحد الأشخاص الانهيار اللحظي عندما قام بشراء كمية هائلة من إيثيريوم بسعر زهيد جداً ــ 10 سنتات ــ ليقوم بتحويل 380 دولار تقريباً إلى أكثر من مليون دولار، بمعدل عائد فلكي يبلغ تقريباً 300163%، لا أعلم تفاصيل طلب الشراء، ولكنه بلا شك أمر يستدعي فتح تحقيق مطول.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.