التصنيفاتالاقتصاد

شبح العجز في الميزانية

قد يبدو مصطلح العجز مخيفاً لغير المتخصصين في مجال الاقتصاد لأنه قد يوحي للوهلة الأولى بعجز الدولة عن سداد مصروفاتها والإخلال بإلتزاماتها تجاه مواطنيها، كالعجز عن دفع الرواتب والأجور مثلاً، إلا أنه من الناحية الاقتصادية، ربما لا يشكّل العجز بحد ذاته مشكلة كبرى، لأن الأهم من العجز هو كيفية تعامل الدولة مع العجز وتمويله بطرق تضمن صحة الاقتصاد. بالطبع، لا يمكن للحكومات أن تعلن إفلاسها، لأنها تمتلك مجموعة من الأدوات الاقتصادية التي يمكن إطلاقها في مثل هذه الأوقات، كإصدار سندات حكومية على سبيل المثال.

عجز الحكومات أمر غير مستغرب على الاقتصاد العالمي نهائياً، فعلى سبيل المثال، بلغ العجز في ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 21% في سنة 2014، وكذلك هو الحال في الصين حيث بلغ العجز أكثر من 8% في السنة ذاتها. ولله الحمد، تمتلك الكويت وأغلب دول الخليج احتياطيات ضخمة واستثمارات مليارية في صناديقها السيادية، تضمن تمويل العجز، على الأقل في المدى القريب. ولكن، ماذا يعني العجز بالنسبة للقطاعات الأخرى في الاقتصاد المحلي؟ نظراً لصغر حجم قطاع الاقتصاد الخارجي في الكويت، سيتم مناقشة القطاع الخاص والقطاع الحكومي فقط، باعتبارهم العمودين الأساسيين في الاقتصاد الكويتي.

لنأخذ أسوأ سيناريو اقتصادي محتمل، وهو استنزاف الاحتياطيات واضطرار الحكومة لإصدار سندات حكومية لتمويل العجز في الميزانية، في هذه الحالة، سيقوم القطاع الخاص، متمثلاً بالبنوك وشركات الاستثمار بشراء تلك السندات، مقابل استلام دفعات منتظمة من الحكومة، عن طريق استثمار حكومي يحمل نسبة مخاطرة تساوي الصفر، كما يلي:

US-Bonds-Flow-Chart

من الناحية النظرية، يمكن للدائرة أعلاه أن تتكرر حتى يتسنى للحكومة الإيفاء بالتزاماتها، وتمويل العجز في المدى القصير والمتوسط. بالطبع، يعتمد هذا السيناريو على معدل الفائدة بشكل كبير، فعلى سبيل المثال، تتبنى العديد من البنوك المركزية اليوم حول العالم (كاليابان والاتحاد الأوروبي) سياسة الفائدة السالبة لتحفيز اقتصادها، ولكن، على كل حال، إنها ليست الأداة الوحيدة في يد الحكومة، فمن الناحية الاقتصادية البحتة، تمتلك الحكومة أداة أخرى ضمن سياستها المالية، وهي فرض أو زيادة الضرائب، بمختلف أنواعها.

ولكن، يبقى السؤال الأهم، ما أثر إصدار السندات على القطاع الخاص في الدولة؟

يمكن للدفعات التي تسددها الحكومة أن تشكل مصدراً ثابتاً للدخل بالنسبة لحاملي السندات، كونها سندات مضمونة وخالية من المخاطر، وبالتالي يمكن للقطاع الخاص الاستفادة من هذه الدفعات الثابتة في التوسع والدفع بعجلة الاقتصاد، ولكن يجب الأخذ بالحسبان البيئة الاقتصادية التي تمر فيها البلاد، فعلى سبيل المثال، لا يمكن لهذا السيناريو أن يتحقق في الاقتصاديات القريبة من أسقف الانتاج والتي تتمع بمعدلات بطالة منخفضة جداً.

من وجهة نظري، يمثل العجز في ميزانية دولة الكويت فرصة ذهبية للقطاع الخاص أن يستلم زمام الأمور ويدفع بعجلة الاقتصاد المحلي، فعلى رأي الاقتصادي الأمريكي الراحل روبرت هايلبرونر، إذا أردت تحفيز الاقتصاد، فالعجز في الميزانية سيكون أمر مفيد جداً. على كل حال، يبقى الحل الأكبر في يد الحكومة وكيفية إدارتها وتمويلها للعجز، فالحذر كل الحذر من خلق حلول تؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم، لاسيما أن كل المؤشرات الاقتصادية تشير إلى أن الاقتصاد المحلي (والعالمي) يمر بفترة عصيبة، متمثلة بتباطؤ النمو الاقتصادي في شتى بقاع العالم.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.