التصنيفاتالأسواق الماليةالاستثمارالعملات الرقمية

التداول عالي التردد في أسواق العملات الرقمية

بعد الثورة التي حققها التداول عالي التردد في أسواق المال التقليدية، يبدو أن أسواق العملات الرقمية أصبحت الآن الهدف الجديد لروبوتات التداول عالي التردد، لاسيما أن أسواق العملات الرقمية تمتاز بمعدلات تذبذب عالية وخلال فترات زمنية قياسية، مما يعتبر مثالياً جداً لخوارزميات التداول عالي التردد التي تمتاز بفترات مضاربة قصيرة جداً (ثوان أو بضع دقائق)، كشركة DRW للتداول، والتي بدأت فعلياً باستخدام التداول عالي التردد في أسواق العملات الرقمية.

أتوقع شخصياً أن تستمر هذه الموجة على المدى الطويل، وذلك لعدة أسباب. أولاً، على عكس أسواق المال التقليدية، تعمل أسواق العملات الرقمية ٢٤ ساعة، ٧ أيام في الاسبوع. ثانياً، وهي النقطة الأهم بكثير، يمكن لخوارزميات التداول عالي التردد أن تستغل الاختلالات البسيطة في الأسعار بين منصات التداول، حتى وإن كانت بسيطة جداً، وذلك عن طريق استخدام الرفع المالي لإدخال أوامر ذات قيمة عالية جداً يمكنها تحقيق أرباح مجدية من خلال فروقات لا تتجاوز بضع السنتات، وأعتقد بأن استمرار هذه الموجة يرتبط ارتباطاً وثيقاً باستمرار إنشاء منصات جديدة للتداول، فكلما زاد عدد المنصات، كلما زادت الاحتمالية الإحصائية لحدوث مثل هذه الاختلالات السعرية.

على الرغم من ذلك، أرى بأن الطريق للتداول عالي التردد داخل منصات تداول العملات الرقمية مليء بالعقبات في الوقت الحالي، لعل أول هذه العقوبات يتعلق بالتركيبة الجزئية لهذه المنصات وهيكلها البرمجي الذي قد لا يتناسب وطبيعة خوارزميات التداول، فأسوة بالأسواق التقليدية، هل لأكبر منصات تداول العملات الرقمية الطاقة الاستيعابية الكافية التي تتحمل آلاف الأوامر في ثوان معدودة؟ لا أعلم الإجابة على هذا السؤال بالتحديد ولكن الموانع الأمنية التي تقوم بوضعها أغلب منصات تداول لمنع بعض السلوكيات ــ كهجمات الخوادم ــ قد تحول دون ذلك.

لعل النقطة الجوهرية تكمن في أثر روبوتات التداول عالي التردد على آلية اكتشاف الأسعار في أسواق العملات الرقمية، فهل ستساهم هذه الخوارزميات عن طريق العدد الكبير من عمليات البيع والشراء بضبط أسعار العملات الرقمية؟ أم أنها ستدفعها بعيداً عن قيمها الحقيقية (والتي بحد ذاتها تشكل تحدياً أكاديمياً)؟ أعتقد أن هذا التساؤل سيظل قائماً على المدى الطويل والمتوسط، لاسيما في ظل غياب الدليل الأكاديمي في الوقت الحالي.

يبقى الحافز المادي أمراً محورياً في نهاية المطاف لمنصات التداول، فالكم الهائل من الأوامر التي تقوم بتمريرها خوارزميات التداول عالي التردد تشكل مصدراً مجزياً لهذه المنصات، ولكنها لا يجب أن تتم على حساب جودة عمل المنصة، ولا تقتل المنافسة العادلة في البحث عن السيولة.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.