التصنيفاتالاقتصادالتعليم

أثر التعليم على النمو الاقتصادي

يربط المنطق الاقتصادي دائماً بين النمو الاقتصادي والتعليم، انطلاقاً من وجهة نظر اقتصادية بحتة وهي قدرة التعليم على خلق سوق عمل أكثر كفاءة وذلك من خلال “إنتاج” قوة عمالية أكثر كفاءة في العمل، والكفاءة بدورها تحسن من الطاقة الانتاجية للاقتصاد، خصوصاً في الدول ذات الطابع الصناعي والتي تعتمد غالباً على مصادرها الانتاجية المحدودة، فالمزيد من الكفاءة تعني المزيد من الانتاجية في ظل ذات الموارد. من ناحية تاريخية، ومع بدايات الثورة الصناعية القائمة على العنصر البشري بشكل كبير، قد يكون هذا المنطق سديداً، إنطلاقاً من القابلية الأكبر للعامل صاحب الشهادة للقيام بأعمال أكثر تعقيداً من العامل الذي لم يحظى بالتعليم، لذلك، من المنطق أن نقول أن انخفاض المستوى التعليمي للعمّال قد يساهم بشكل مباشر بانخفاض الانتاجية، ولكن هل العكس صحيح؟ لم تكن الأدلة واضحة في هذا الجانب، من الناحية الأكاديمية على الأقل. بشكل عام، تشير الدلائل الأكاديمية على وجود علاقة إيجابية بين النمو الاقتصادي والإنفاق على التعليم، ولكن هذه النتائج لا تنطبق على جميع الدول. 

بناء على ذلك، دفعني الفضول إلى أن أبحث عن الأثر الاقتصادي للتعليم على دولة الكويت بشكل عام ودول المنطقة بشكل خاص، سواء من ناحية الجدوى الاقتصادية للإنفاق على التعليم، أو العائد على هذا الإنفاق، والمتمثّل في الزيادة في معدلات النمو الاقتصادي لهذه الدول. بالطبع، يبقى التعليم حقاً مشروعاً للجميع ولا جدال في ذلك، بغض النظر عن الجدوى الاقتصادية. علاوة على ذلك، أعتقد بأن زيادة الإنفاق على التعليم قد تساهم في خلق بيئات اجتماعية أكثر عدالة. على كل حال، قرأت أحد الأوراق الأكاديمية المنشورة والتي شارك بإعدادها مجموعة من الباحثين، وعلى الرغم من قِدَم هذه الورقة ــ تم نشرها في سنة 2000 ـــ، إلا أننا لازلنا نستطيع أن نخرج بمجموعة من الاستنتاجات المهمة، والتي قد تتغير قليلاً مع مرور الزمن. قام الباحثون بدراسة العوامل المفسّرة لحركة النمو الاقتصادي في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA)، كالاستثمار في رأس المال البشري، الاستثمار الرأس المالي، مدى انفتاح الاقتصاد.. إلخ. ولعل المفاجئة الإحصائية كانت فقدان عامل “التعليم” للدلالة الإحصائية، بمعنى آخر، لم يكن المستوى التعليمي لأفراد المجتمع محرّكاً أساسياً للنمو الاقتصادي في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي نتيجة قد تساهم في رفع الكثير من علامات الاستفهام. يبين الجدول التالي نتائج تحليل الانحدار الذي قام به الباحثون في الدراسة:

(Source: World Bank, Fattah, Limam, and Makdisi 2000)

في الجانب الآخر، تشير الأدلة الأكاديمية على دور التعليم في تقليل معدلات الفقر وتوزيع الثروات بشكل أكثر عدالة في المجتمعات، وذلك انطلاقاً من قدرة التعليم على خلق فرص وظيفية، ويرتبط هذا المفهوم دائماً بالنمو الاقتصادي بشكل أساسي. لذلك، من المنطق أن يتناسب النمو الاقتصادي عكسياً مع مستويات الفقر في المجتمعات، وفي العديد من الدول، يعتبر التعليم هو حلقة الوصل بين النمو الاقتصادي وتقليل معدلات الفقر. بمعنى آخر، يجب أن نرى معدلات فقر أقل في الدول التي تستثمر في رأس المال البشري وتنفق بكثرة على التعليم، وهو محل دراسة أكاديمية مهمة جداً في الكويت، تبين العلاقة بين حجم الإنفاق الحكومي على التعليم ومعدل النمو الاقتصادي (الناتج الإجمالي المحلي) في دولة الكويت.

لكل مهتم، يلخص التقرير التالي من البنك الدولي الأثر الاقتصادي للتعليم على معدلات النمو الاقتصادي في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقياً، والممتاز بأن التقرير يشمل عدد كبير جداً من الدراسات الأكاديمية في هذا الجانب.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.