التصنيفاتالأسواق الماليةالعملات الرقمية

هيكل أسواق العملات الرقمية

أتساءل دائماً عند مراقبة معدلات التذبذب الفلكية لأغلب العملات الرقمية وخصوصاً العملات الرقمية البديلة: هل يلعب الهيكل العام ــ أو التركيبة الجزئية ــ لأسواق العملات الرقمية دوراً في الدفع بمعدلات التذبذب عالياً؟ أعتقد أن الإجابة المبدئية هي “نعم”، بشكل مباشر وغير مباشر.

أسوة بجميع أنواع الأصول التقليدية، تخضع العملات الرقمية إلى قوانين العرض والطلب، فغالباً ترتفع العملات الرقمية ذات العرض المنخفض بمعدلات أكبر بكثير من نظيراتها ذات العرض المرتفع، ولكن هل يعادل هذا الصعود معدلات الارتفاع الطبيعية التي نشاهدها في أسواق المال التقليدية؟ لا، وذلك لسبب بسيط بوجهة نظري، يعاني سوق العملات الرقمية من انقسام شديد في أحجام التداول، وذلك بسبب كثرة منصات التداول المتاحة حالياً ــ أكثر من 40 منصة تداول في وقت كتابة هذا المقال ــ، مما يساهم في تقليل “عمق” سجلات الأوامر الخاصة بالمنصات. بسبب غياب العمق في سجلات الأوامر، تتحرك الأسعار بشكل مضطرد عندما تزداد أحجام التداول بشكل مفاجئ ــ سواء بالزيادة أو النقصان ــ، فترتفع بشكل مبالغ فيه عند زيادة القوة الشرائية، وتنخفض بشكل حاد عند زيادة عمليات جني الأرباح أو ارتفاع معدلات الخوف. بالطبع، تختلف معدلات العمق باختلاف العملات الرقمية، فغالباً ما تكون العملات الرقمية الأقل شهرة أكثر عرضة لسجلات أوامر غير عميقة، لاحظ الشكل التالي الذي يبين عمق سجلات الأوامر لبتكوين، إيثريوم، وريبل، بإمكانك الذهاب للموقع التالي لمشاهدة معدلات العمق للعملات الرقمية البديلة.

لذلك، أرى شخصياً أن الحل المناسب لهذه المعضلة يكمن في أمرين. أولاً، يجب أن تخضع بعض العملات الرقمية البديلة التي يتم إطلاقها حديثاً إلى “حواجز” سعرية في سجل الأوامر، بحيث يتم تجميع أوامر البيع والشراء في نطاق سعري معين، بحيث تتحرك الأسعار بوحدات ثابتة ــ 0.5، 1.0، 1.5…. ــ وذلك لضمان تكتّل الأوامر في السجّل، وبالتالي المحافظة على عمق سجل الأوامر. باعتقادي الشخصي، لن يساهم هذا الحل في تقليل الأرباح على المدى القصير، بل على العكس تماماً، أعتقد أنه سيزيد من ثقة المتداولين في العملات الرقمية الجديدة، وذلك بسبب وجود سجل أوامر أكثر عمقاً، أي أننا لن نشاهد تغيرات سعرية حادة على المدى القصير، فإن تواجدت القوة الشرائية، سيزداد السعر بشكل مضطرد، أما إذا حدث عكس ذلك، فلن يهبط السعر بنفس الحدّة، وذلك لوجود العديد من أوامر البيع في نطاق الأسعار الموضوعة سابقاً. ثانياً، بسبب كثرة منصات التداول، تختلف أسعار العملات بين هذه المنصات بشكل بسيط، لذلك أرى أن الحل الآخر هو “تجميع” أسعار العملات الرقمية في شريط واحد يبين متوسط أسعار العملات في جميع منصات التداول، أسوة بأسواق الأسهم الأمريكية التي تستخدم ذات الفكرة.

علاوة على ذلك، ما حدث مع عملة ريبل الأسبوع الماضي يعتبر خير مثال على بعض الممارسات الغير اعتيادية في أسواق العملات الرقمية، والتي قد تؤدي إلى خسائر كبيرة جداً للمتداولين قليلي الخبرة. بعد صعودها الاسطوري قبل ثلاثة أسابيع تقريباً ــ بمعدل 4300% ــ، فقدت ريبل 50% من قيمتها خلال ساعات قليلة، وذلك بسبب قيام أحد مواقع العملات الرقمية الشهيرة بحذف البيانات الخاصة بمنصات تداول كوريا الجنوبية، مما أدى إلى هبوط مفاجئ في أسعار العملات الرقمية جميعاً تسبب في نشر موجة خوف بين المتداولين، في بيئة تداول يسيطر عليها “الخوف” و”الطمع” بمراحل تتعدى تلك الموجودة في أسواق المال التقليدية. الجدير بالذكر أن سبب هذا الهبوط هو تضخم أسعار العملات الرقمية في كوريا الجنوبية، ربما بسبب الطلب الهائل عليها. لذلك، قد يثير هذا الأمر شكوكاً كبيرة في آلية تسعير بعض العملات الرقمية بشكل قد لا يعكس بالضرورة قوى العرض والطلب القائمة في الأسواق.

بالإضافة إلى ما تم ذكره أعلاه، أرى أن المشكلة الأخيرة في هيكل أسواق العملات الرقمية تكمن في أوقات التداول، فتعمل هذه الأسواق بشكل متواصل ــ 24 ساعة، 7 أيام في الاسبوع ــ وهو أمراً قد لا يعتبر بالضرورة صحياً لآلية عمل الأسواق، فالتغيرات في أنماط أحجام التداول ــ بسبب فارق الوقت الزمني ــ قد تخلق أنماطاً موسمية يمكن استغلالها للتلاعب بالأسعار على سبيل المثال، خصوصاً في منصات التداول التي تعاني من قلة في أحجام التداول. على سبيل المثال، قد تتسبب “ضحالة” سجل الأوامر في أحد المنصات بتغييرات جذرية ــ سواء بالزيادة أو النقصان ــ في أسعار العملات خلال أوقات زمنية قصيرة جداً، مما قد يتسبب بالدفع بأسعار العملات بعيداً جداً عن المتوسط الإحصائي لقيمها. ولكن في نهاية المطاف، أعتقد أن المنافسة بين العدد الكبير من منصات التداول حالياً تحتم على هذه المنصات أن تفتح أبوابها للتداول على مدار الساعة، وذلك لتجذب أكبر عدد من المتداولين.

أعتقد شخصياً أن القادم من الأيام يحمل العديد من السيناريوهات التي قد تغير مجرى الأسواق التقليدية وأسواق العملات الرقمية في آن واحد، فنسمع بشكل شبه يومي الإعلانات التشريعية للحكومات ــ سواء بالمنع أو السماح ــ حول العملات الرقمية، ونوايا بعض البنوك الكبيرة في فتح مكاتب ومنصات تداول للعملات الرقمية، استغلالاً لمعدلات الطلب العالية جداً، كإعلان غولدمان ساكس قبل عدة أيام على سبيل المثال.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.