التصنيفاتالعملات الرقمية

هل أصبحت لامركزية بيتكوين تحت التهديد؟

 لعل الميزة الكبرى لبيتكوين تكمن في كونها عملة لامركزية غير خاضعة لرقابة البنوك المركزية والحكومات، ولكن، بسبب اعتمادها الكبير والرئيسي على التكنولوجيا وتطور أجهزة الكمبيوتر، هل يمكن لمجموعة قليلة من المتداولين السيطرة على عمليات تعدين العملة؟ بمعنى آخر، هل يمكن أن يكون إصدار بيتكوين حكراً على من يمتلك آخر ــ وأغلى ــ وسائل التكنولوجيا؟ نعم، على الرغم من كونه أمر مكلف جداً، إلا أنه ممكن من الناحية النظرية، مما يعتبر تهديداً صريحاً لاستقلالية العملة وحجة صلبة جداً لكل شخص يبغض بيتكوين والتقنية القائمة عليها.

 خلال بحث سريع، ومن خلال هذا الموقع، حصلت على رسم بياني يوضح أكبر “أحواض التعدين” لبيتكوين ــ إن صحت الترجمة لهذا المصطلح ــ، وهي الجهات التي تقوم بعمليات التعدين الالكتروني في شبكة بيتكوين، أملاً في الحصول على عدد معين من العملة ــ حتى تاريخ كتابة هذا المقال، العدد هو 25 بيتكوين لكل من يقوم بعملية التعدين بنجاح ــ، لاحظ التركّز الكبير في عدد الجهات، فالنصيب الأكبر يتركّز في خمسة جهات فقط، كما يبين الرسم أدناه:

 

 

الجدير بالذكر أن أكبر جهتين في الشكل أعلاه يمتلكان ما يقارب 53% من مجموع “قوة الحواسب” في شبكة بيتكوين، لذلك، يمكن لهاتين الجهتين ــ نظرياً، على الأقل ــ الاندماج والتحكم بأكثر من نصف شبكة بيتكوين، مما يعتبر احتكاراً صريحاً للشبكة، على الرغم من كونها خطوة غير ذكية اقتصادياً، لإن أي تهديد لاستقلالية بيتكوين سينعكس سلباً على سمعة العملة ونفسية المتداولين، مما سيدفع بقيمة العملة إلى الحضيض، وهو ما لا تريده أبداً جهات التعدين، كونها قائمة أصلاً على استخراج بيتكوين، فانهيار بيتكوين يعني الاختفاء الكامل لتلك الجهات.

 لذلك، لازلت أعتبر بيتكوين “مختبراً” حقيقياً لتجربة واختبار أهم المبادئ والمفاهيم الاقتصادية، فمن هذه المفاهيم من سيتغير مع الوقت، ومنها من سيبقى. على سبيل المثال، يعمل مفهوم الحافز الاقتصادي كمصد واضح ضد مشكلة تضارب المصالح المذكورة في الفقرة السابقة ــ احتكار عمليات التعدين ــ، كما ينطبق مفهوم المنافسة الاقتصادية بشكل واضح. وفي المقابل أيضاً، نسفت بيتكوين أيضاً مفاهيم اقتصادية عديدة سبق ذكرها في مقالات سابقة، كالتخلي عن دور الحكومات كمصدّر شرعي ووحيد للعملة، وتهميش دور السياسات النقدية بالكامل، فلم يعد هناك حاجة للتحكم بعرض النقد، ولا بأسعار الفائدة، ولعل التحدي الأكبر يكمن في السياسات المالية للدول، فكيف يمكن للحكومات التحقق من تحصيل الضرائب إذا قرر جزءاً كبيراً من الشعب أن يستخدم عملة لا وجود لها على أرض الواقع ولا تتحكم بها الحكومات؟

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.