التصنيفاتالاقتصادالعملات الرقمية

بيتكوين، والاستعمالات الحكومية

نظراً لكون بيتكوين عملة ذات طبيعة مضاربية بحتة، لم تُقابل هذه العملة بالترحيب من قبل الجهات الحكومية في الدول عند بداية ظهورها قبل سنوات قليلة، ناهيك عن قلّة الوعي ــ نسبياً ــ بالتكنولوجيا القائمة عليها العملة. لذلك، غالباً ما يتم اتهام بيتكوين بأنها عملة المجرمين وذلك بسبب التقنية العالية التي تعتمد عليها العملة، والطابع التسويقي الذي يغلب على محاولات نشرها، ولكن في واقع الأمر، تقوم العملة على نظام شبكي يتّسم بشفافية عالية تتخطى الأنظمة الحالية بمراحل. إذاً، كيف للحكومات أن تستفيد من تلك التقنية بشكل عام؟ وكيف لها أن تستفيد من بيتكوين على وجه الخصوص؟ الجدير بالذكر أن  العديد من الدول اليوم تعترف بالبيتكوين كعملة قابلة للاستعمال، كما روّضت مجموعة من الدول التكنولوجيا القائمة عليها العملة للاستفادة منها في التطبيقات الحكومية المختلفة، ففي السويد، حفاظاً على الاقتصاد السويدي ــ خصوصاً بعد تطبيق سياسة الفائدة السالبة من قبل البنك المركزي السويدي ــ، قامت الحكومة السويدية بالاعتراف بالبيتكوين كعملة قابلة للتداول في السويد، مما أدى إلى انفجار معدلات الطلب على بيتكوين، بحثاُ عن العوائد. في فنلندا أيضاً، لتقليل الطلب على النقد، لم تقم الحكومة الفنلندية بمجرد الاعتراف ببيتكوين كعملة قابلة للتداول، بل قامت أيضاً بإعفاء بيتكوين من جميع أنواع الضرائب، لتشجيع الناس على استخدامها، مما أدى إلى توثيق أغلى صفقة في تاريخ بيتكوين ــ حتى تاريخ كتابة هذا المقال ــ عندما قام شخص بشراء سيارة تيسلا بقيمة 140,000 يورو في يناير الماضي.

 إستونيا هي أحد الدول التي تقع في مصاف الدول الداعمة لعملة بيتكوين، والعملات المشفّرة بشكل عام، وأتوقع شخصياً أن تصبح إستونيا عاصمة العملات المشفرة عالمياً في السنوات القادمة. علاوة على ذلك، أعلنت إستونيا عن استخدامها للتكنولوجيا القائمة عليها بيتكوين في فبراير الماضي ضمن برنامج حكومي إلكتروني خاص بتنظيم الهجرة والإقامة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بحيث يمكّن هذا النظام الحكومة الإستونية بإنشاء منصة تكون بمثابة قاعدة البيانات للمشاريع الصغيرة والخدمات الإلكترونية للبنوك والشركات، وفق نظام عالي الشفافية يُفصح جميع البيانات المالية والضرائب لجميع المستخدمين، وهو تطبيق رائع جداً لهذه التكنولوجيا، خصوصاً مع ظهور أنباء بتعميم هذا النظام على دول الاتحاد الأوروبي. بالتالي، تماشياً مع التوجهات الخليجية للاتحاد اقتصادياً، أعتقد أن هذا النظام يمثّل فرصة هائلة لدول الخليج لتوحّد إجراءاتها من خلال هذا النظام، خصوصاً أن هذا النظام غير مكلف على المدى الطويل، وهو ما يتماشى مع السياسات الحكومية التقشفية لدول الخليج حالياً. إضافة إلى ذلك، يمكّن هذا النظام المبادرين من إنشاء مشاريعهم لتغطية دول مجلس التعاون بشكل كامل عوضاً عن التركيز على دولة وحيدة، مما يساهم في الدفع بعجلة المشاريع الصغيرة في المنطقة، والتي أعتبرها أحد أهم الوسائل لإنقاذ الاقتصاد الخليجي في الفترة الحالية، فالمشاريع الصغيرة تعتبر محرّك أساسي لأي اقتصاد صحّي. الجدير بالذكر أن استراليا أيضاً تبحث تطبيق نظام مشابه لسوقها المالي، حيث تدرس حالياً تطبيق تكنولوجيا تسلسل القطع لتسجيل ومطابقة الصفقات في السوق الرسمي، عوضاً عن نظم المقاصة التقليدية المتبعة حالياً.

 في هولندا، قامت الحكومة الهولندية بفكرة ذكية جداً، وهي استغلال بيتكوين سياحياً، عن طريق إنشاء مدينة كاملة تم تسميتها بـ”مدينة بيتكوين”، حيث تحتوي على أكثر من 100 محل تجاري لتغطية العديد من السلع والخدمات ــ فنادق، بنزين، خدمات صحية… إلخ ــ التي تقبل بيتكوين كوسيلة أساسية للدفع، حتى أصبحت هذه المدينة معلماً سياحياً من معالم هولندا، مما أدى إلى إنشاء “سفارة بيتكوين” في قلب أمستردام، لتقوم بتنظيم الفعاليات والمؤتمرات الخاصة بالعملة، علاوة على احتوائها العديد من أجهزة السحب الآلي للبيتكوين، وهي أجهزة تقوم بإرسال البيتكوين مباشرة إلى الهواتف الذكية والحواسيب. إضافة إلى ذلك، تعمل السفارة كحاضنة لجميع المشاريع الصغيرة المتعلقة بالعملة، حيث تقوم أيضاً بعقد الندوات وورش العمل لتوعية الناس بكل ما يتعلق ببيتكوين.

لذلك، إنطلاقاً من التوجه العالمي لمحاربة الفساد والقضاء على غسيل الأموال، ازداد الطلب على الأنظمة الالكترونية الداعمة للشفافية. علاوة على ذلك، تحاول أغلب الدول المتقدمة اليوم القضاء ــ أو على الأقل تقليل الاعتماد ــ على النقد بصورته الورقية، للتحرك إلى اقتصاد رقمي لا يعتمد على الأوراق والنقود، وذلك لتوفير تكاليف الطباعة، وزيادة مستويات الشفافية عن طريق استخدام كشوفات الكترونية لا تسمح بأية صفقات دون مطابقتها. بالتالي، أصبح الوضع الحالي يحتّم علينا الاستثمار في تكنولوجيا تسلسل القطع والعملات المشفرة، لاسيما أنها لا تعتمد على أية موارد طبيعية تفتقر إليها دول الخليج، بل تعتمد على موارد بشرية متوفرة حالياً، قد ينقصها فقط القليل من الاستثمار، فمن الممكن إنشاء وحدات في البنوك المركزية الخليجية خاصة بالبحث في تكنولوجيا تسلسل القطع والعملات المشفرة، بالإضافة إلى توعية المجتمع بهذه التطورات، ولعل البداية ممكن أن تكون في المشاريع الصغيرة جداً التي قد لا تشكل ضرراً كبيراً على الاقتصاد في حال فشلها. الجدير بالذكر أن دبي تنوي أن تكون حكومة قائمة بالكامل على تكنولوجيا تسلسل القطع في سنة 2020، كجزء من رؤيتها الحكومية، وهو هدف رائع جداً قد يوفر على الحكومة أموالاً طائلة سنوياً، وهو الذي يعتبر مثالاً يحتذى به خليجياً.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.

رأيان حول “بيتكوين، والاستعمالات الحكومية”

  1. مقال جيد. اتمنى ان تكتب عن وضع البيتكوين الحالي بدول مجلس التعاون و مدى الاستفاده منها ما اقترحت في سياق مقالك

التعليقات مغلقة.