التصنيفاتالاقتصاد

ضريبة القيمة المضافة

احتدم النقاش في الأيام القليلة الماضية على أغلب وسائل التواصل الاجتماعي بعد الاتفاق الخليجي على تطبيق ضريبة القيمة المضافة على أغلب دول الخليج قريباً. لن أتكفل بشرح كيفية عمل ضريبة القيمة المضافة لأنها أخذت حقها في الشرح، حيث قام العديد من أهل الاختصاص في الأيام السابقة بشرح الضريبة بالتفصيل الممل، ومقارنتها مع باقي الدول ذات الأنظمة الضريبية المتطورة، كالولايات المتحدة وألمانيا على سبيل المثال.

 بالطبع، ضريبة القيمة المضافة ليست بالمفهوم الجديد، فقد تم مناقشتها لأول مرة في ألمانيا ــ في عام ١٩١٨م ــ مع بدء الثورة الصناعية في ألمانيا وتحولها إلى دولة منتجة بشكل ملحوظ، على الرغم من أنها كانت مفروضة بشكل رئيسي على أكبر المصانع والمنتجين، قبل أن يتم تعميمها بشكل واضح. إلى يومنا هذا، تفرض ١٦٠دولة حول العالم  ــ أي ما يقارب ٨٠٪من مجموع الدول ــ ضريبة القيمة المضافة، بمختلف مسمياتها، حيث تطلق عليها بعض الدول ضريبة السلع والخدمات على سبيل المثال.

counties_with_vat_tax-jpeg

(المصدر: Wikipedia)

 لأي نظام ضريبي حول العالم جانب مشرق وآخر مظلم. لعل أكبر عيوب ضريبة القيمة المضافة ــ كونها أحد أنواع الضرائب الرجعية ــ يتلخص بضربها الواضح للعدالة الاجتماعية، فهي “تعاقب” فئة ذوي الدخل المحدود بشكل مباشر، لنفرض أن نسبة الضريبة هي ٥٪‏ ــ وهي النسبة المتوقع فرضها محلياً ــ، سوف تنعكس هذه الضريبة بشكل واضح على الدخل، أي بإمكاننا اقتطاع ٥٪‏ من مجموع دخل الفرد في حال تم صرفه بالكامل على عناصر استهلاكية ــ سواء سلع أو خدمات ــ، بالتالي، قد لا تشكل هذه النسبة عبئاً مالياً كبيراً على أصحاب الدخول العالية، بينما تعتبر حساسة جداً لأصحاب الدخل المحدود، ولعل حساب مؤشر مرونة الطلب خير دليل على تأثير ارتفاع الأسعار على معدلات الطلب. تجدر الإشارة هنا أن ضريبة القيمة المضافة ــ خليجياً ــ لن يتم فرضها على الدعامات الأساسية وهي: الأغذية، التعليم والخدمات الصحية. اقتصادياً، وبناءاً على تجارب الدول حول العالم، لم تثبت ضريبة القيمة المضافة فاعليتها أبداً، حيث عانت الحكومات في عملية تحصيل تلك الضرائب، حتى أصبحت عبئاً على ميزانيات بعض الدول، وذلك لكلفة عمليات التحصيل. ما يحصل في الغالب هو تحسّن ملحوظ في ميزانية الدولة في السنوات الأولى من فرض الضريبة، ولكن سرعان ما يتباطأ هذا التحسن، خصوصاً مع ارتفاع تكلفة تحصيل الضرائب على المدى الطويل، حتى تصل بعض الحكومات إلى نقطة معينة تتخطى عندها التكاليف أية إيرادات يتم تحصيلها.

uae-tax

(المصدر: CNBC Arabia)

 على الرغم من ذلك، حتى أكون حيادياً في النقاش، أرى شخصياً بعض الجوانب الإيجابية لضريبة القيمة المضافة، بفرض تطبيقها بشكل محكم. أولاً، على الرغم من ضربها لمبدأ العدالة الاجتماعية ــ أسوة بباقي أنواع الضرائب الرجعية ــ، يقوم الأغنياء بدفع ضرائب أكبر للدولة، بغض النظر عن قدرتهم على التحكم بالاستهلاك بصورة أكبر من قدرة المستهلك ذو الدخل المحدود. ثانياً، قد يساهم فرض الضريبة ــ بوجهة نظري ــ في إعادة تشكيل الأنماط الاستهلاكية للفرد، فالأشياء الضرورية، قد لا تصبح ضرورية بعد فرض الضريبة، مما يقلل الاستهلاك، والذي بدوره يزيد معدلات العرض في الاقتصاد، مما يؤدي إلى هبوط الأسعار. ماذا لو هبطت الأسعار لمستويات كبيرة تجعلها تفوق تكلفة دفع الضريبة؟ هذا ما حدث تماماً في كندا، عندما هبطت الأسعار إلى درجة جعلت أسعار السلع أقل من قيمتها المعتادة، حتى بعد فرض الضريبة.

vat

(المصدر: جريدة الاقتصادية)

 على الصعيد الشخصي، لست معجباً بنموذج ضريبة القيمة المضافة أبداً، فلا أحبذ الضرائب التي تفرض على الاستهلاك بشكل مباشر. ولكن، إن تم تطبيقها في الكويت، سيكون هناك سلطة شعبية أكبر للرقابة على المشاريع الحكومية، كونها مموّلة جزئياً من أموال الشعب. برأيي المتواضع، أرى أنه في حال تطبيق الضريبة، يجب أن يكون هناك سقف أعلى يتم الوقوف عنده، خصوصاً لأصحاب الدخل المحدود، بحيث تقوم الهيئة الضريبية بوضع هذا السقف بناءاً على دراسة فنية واضحة المعالم. في النهاية، أرى شخصياً أن النقطة المحورية التي يعتمد عليها نجاح مشروع الضريبة هو كفاءة الجهاز الحكومي بالتحكم في معدلات التكلفة، إذا نجحت الحكومة في خفض تكاليف تحصيل الضريبة، فقد تشكل الضريبة مصدراً إضافياً للدخل، على الرغم من ضآلة هذا المصدر، حيث قرأت اليوم أن الدخل المتوقع لضريبة القيمة المضافة في الكويت لا يتجاوز النصف مليار دينار سنوياً.

 

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.