التصنيفاتالاقتصادالبنوك المركزية

ماذا لو أمطرت السماء نقوداً؟

دائماً ما يُقال بأن آخر العلاج الكي، وقد تنطبق هذه المقولة ــ من الناحية النظرية، على الأقل ــ اقتصادياً، خصوصاً في ظل الأوضاع الحالية التي يمر بها الاقتصاد العالمي. فعلى الرغم من الغرق في معدلات الفائدة السالبة في أكثر من دولة حول العالم، وعلى الرغم كذك من مختلف برامج التيسير الكمي التي طرحتها البنوك المركزية، لا يزال شبح الكساد يلقي بظلاله على المشهد الاقتصادي. بناء على ذلك، أطلق الاقتصادي الأمريكي الشهير ميلتون فريدمان ــ الفائز بجائزة نوبل بالاقتصاد سنة 1976 ــ مصطلحاً طريفاً يصف آخر السبل التي يمكن للبنوك المركزية اللجوء لها، وهي “نقود الهيليكوبتر”، أي أن تطوف هيليكوبتر حول الدولة، وترمي نقوداً للشعب لكي تدخل هذه النقود عنوة في النظام الاقتصادي، وتدفع بعجلة الاقتصاد إلى الأمام.

 بالطبع، هذا المصطلح نظري بحت ولا يمكن أن يتم تطبيقه بالواقع لأسباب بديهية جداً لا تستدعي الشرح، ولكن التساؤل الأكبر الذي قد يدور في ذهن القارئ: “ماذا عن التضخم؟”، الهدف الأساسي والبديهي من مفهوم “نقود الهيليكوبتر” هو الدفع بمعدلات التضخم عن طريق رمي نقوداً مجانية تدفع بمعدلات الطلب الكلّي بشكل مفاجئ ومضطرد، وهو الذي يعمل عليه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي حالياً جاهداً، ولم يستطع إلى الآن ــ صدّق أم لا تصدق ــ الوصول إلى معدلات التضخم المستهدفة وهي 2%. لكن، يبقى السؤال الجوهري، ماذا يميّز هذا المفهوم عن برامج التيسير الكمي التقليدية التي فرضتها البنوك المركزية حول العالم مثل اليابان وأمريكا؟ سأقوم باقتطاع جزء من ورقة ميلتون فريدمان الشهيرة: “الكمية المثالية للنقود”، ومن ثم أتطرق إلى الفرق الجوهري بين نقود الهيليكوبتر وبرامج التيسير الكمي.

 “Let us suppose now that one day a helicopter flies over this community and drops an additional $1,000 in bills from the sky, which is, of course, hastily collected by members of the community. Let us suppose further that everyone is convinced that this is a unique event which will never be repeated.”

 يقع الفرق الأساسي في أن برامج التيسير الكمي لا تعطي النقود بشكل مباشر إلى المستهلك، فعلى سبيل المثال، عندما تقوم البنوك المركزية بشراء الأصول والسندات من البنوك، غالباً ما يتم تمويل هذه العمليات عن طريق احتياطيات البنك المركزي، وبالتالي، قد لا تؤدي تلك العمليات إلى زيادة الطلب الكلي بشكل مباشر كما هو الحال في مفهوم نقود الهيليكوبتر. بالإضافة إلى ذلك، سياسات التيسير الكمي نادراً ما تخلق آثاراً طويلة الأجل، والسبب في ذلك يرجع إلى إيقاف الحكومات لتلك البرامج تدريجياً عندما تتحسن الأوضاع الاقتصادية، لتعود إلى المربع الأول، وتبدأ الدائرة من جديد.

 السبب وراء كتابة هذا المقال هو الزخم الكبير الذي يحدثه هذا المصطلح في الأوساط الاقتصادية حالياً، حيث انشغل أغلب الاقتصاديون حول العالم في نقاشه من الناحية النظرية ومدى ملاءمته للأوضاع الاقتصادية، من ناحية نظرية بحتة. المدهش في الموضوع أن هذا المفهوم لم يكن جديداً بالكامل، حيث طرح جون كينز ــ أحد أعمدة علم الاقتصاد تاريخياً ــ مفهوماً مشابهاً في سنة 1930 عندما اقترح على الحكومة الأمريكية آنذاك بدفن براميل من النقود تحت المناجم، لتخلق معدناً يعادل الذهب، ليمكّن الشعب من الإنفاق في أوقات الكساد، دون المساس بسعر الفائدة وعرض النقود من قبل البنك المركزي، بالطبع، قد تبدو الفكرة ساذجة، ولكنها فكرة مثالية، نظرياً.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.