التصنيفاتالأسواق الماليةالتمويل السلوكي

مغالطات فكرية في التداول

بسبب الجانب النفسي الكبير الذي يطغى على عملية التداول، يقع المتداولون أحياناً في مغالطات فكرية قد تؤدي إلى خسائر سواء على المدى الطويل أو القصير. سأتطرق في هذا المقال ــ بنوع من التفصيل ــ إلى أشهر أنواع المغالطات الفكرية التي يقع بها المستثمرون، والتي عادة تتم بشكل لا إرادي بسبب اختلاف الخبرات والسمات النفسية بين المتداولين. الجدير بالذكر أن هذه المغالطات الفكرية لا تقتصر على التداول فقط، بل تمتد لتشمل جميع جوانب الحياة، كالأفعال اليومية التي تقوم بها أو القرارات التي تتخذها دون التفكير بها في بعض الأحيان.

 لعل أحد أبرز المغالطات الفكرية هو الارتساء (أو الرسو، أو الارتكاز)، وهو الارتكاز على معلومات قليلة جداً (أو غير مرتبطة بالحدث) لاتخاذ قرار معيّن، فعندما يواجه الإنسان تجربة جديدة أو موقف يحصل لأول مرة، غالباً ما يقوم بالارتكاز على معلومات ــ تعتبر بمثابة المرساة ــ قد لاتكون مفيدة. على سبيل المثال، إذا أراد مستثمر شراء سهم شركة لأول مرة، فإنه قد يبحث عن معلومات مبنية بشكل كبير على تجاربه السابقة، كالتركيز على ربحية الشركة ــ لإنه عامل أثبت نجاحه في السابق ــ بدلاً من خبرة الرئيس التنفيذي أومخاطر الشركة الائتمانية مثلاً، مما قد يعرض المتداول إلى خسائر كان بالإمكان تفاديها لو لم يتم الارتكاز على التجارب السابقة بشكل كبير. بلا شك، نحن نعتمد على الارتساء بشكل أساسي، لإنه بشكل أو بآخر جزء من طبيعة الإنسان، ولكن ما يميّز مستثمر عن آخر هو درجة الارتكاز، فمن المتداولين من يرتكز بشكل كلي على التجارب السابقة، ومنهم من يتّسم بعقلانية أكبر تجعله ينظر للأمور من جميع الزوايا.

 أكاديمياً، تم إثبات الارتكاز في اتخاذ القرارات في ورقة كينمان وتفيرسكي المنشورة في سنة 1974 حيث قام الباحثان باستخدام لوح دائري يحتوي على مجموعة أرقام، بالإضافة إلى مجموعة من المشاركين في الدراسة. قامت الدراسة كالتالي: يقوم المشترك بالدفع باللوح الدائري، ومن ثم يُطرح عليه السؤال التالي: كم عدد الدول الأفريقية؟ وجدت الدراسة أن الناس يميلون أكثر لاختيار أعداد كبيرة كل ما زاد الرقم الظاهر على اللوح الدائري، بالرغم من عدم وجود أية علاقة منطقية بين الرقم الظاهر على اللوح، وعدد الدول الأفريقية.

 anchoring_bias

 النوع الآخر من المغالطات الإدراكية ــ إن صح التعبير ــ هو “المحاسبة العقلية”، والتي غالباً ما يقع بها مدراء المحافظ الاستثمارية، فغالباً ما يتم الفصل ــ عقلياً ــ بين رأس المال والأرباح، فيقوم بعض مدراء المحافظ على سبيل المثال باستثمار الأرباح في أصول تحمل معدلات خطورة عالية، بسبب “فصل” الأرباح عقلياً عن رأس المال. بالإضافة إلى ذلك، يظهر خطأ المحاسبة العقلية جلياً عندما يقوم بعض المستمثرون بإنشاء محافظ منفصلة، بناء على معدلات المخاطر، فتجد الأغلب يتجرع معدلات خطورة عالية ــ بشكل غير مبرر ــ في المحافظ العالية الخطورة، والعكس صحيح، فالمحصلة النهائية ستكون مطابقة تماماً لمحفظة كبيرة تشمل جميع الأصول بغض النظر عن نسبة خطورتها، توفيراً للوقت والجهد.

tumblr_nb1ao0dLVY1su40qeo1_500

 سأتطرق في المقال القادم إلى أنواع أخرى من المغالطات الفكرية الشهيرة التي يقع بها المستثمرون ــ سواء بقصد أو بغير قصد ــ، والتي تم إثبات أغلبها أكاديمياً.

 

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.