التصنيفاتالأسواق الماليةالتمويل السلوكي

ظواهر غريبة في الأسواق المالية

في كل سوق من الأسواق المالية، تبرز ظواهر غريبة ــ وموسمية في بعض الأحيان ــ غير قابلة للتفسير من قبل طرق واستراتيجيات التحليل التقني ولا التقليدي، حيث لا تتطابق تلك الظواهر مع الفرضيات التي يُعمل بها كفرضيتي كفاءة الأسواق وعقلانية المستثمرين على سبيل المثال. في هذا المقال، سأتطرق إلى أشهر أنواع الظواهر التي مرّت على السوق الأمريكي، كونه أحد أكثر الأسواق ظهوراً في الدراسات والأبحاث.

 [ تأثير شهر يناير ]

 لعل أحد أبرز هذه الظواهر هو تأثير شهر يناير والذي تم توثيقه في ورقة الأكاديميين روزيف وكيني التي نشرت في سنة 1976 تحت عنوان: “الموسمية في الأسواق المالية: العائد على الأسهم”. وجد روزيف وكيني أن العوائد في شهر يناير من كل سنة ــ ابتداء من سنة 1904 إلى 1974 ــ تفوق بكثير عوائد الأشهر الأخرى، لتصل حتى سبعة أضعاف في بعض الأحيان، وهو ما يعتبر خرق صريح لفرضية كفاءة الأسواق.

 الاعتقاد السائد أن سبب هذا التأثير هو قيام المستثمرين ببيع الأسهم في شهر ديسمبر من السنة السابقة وذلك للتحكم في الخسائر الضريبية بنهاية السنة، ولكن هذا التفسير يعتبر غير منطقي في الأماكن التي لا تفرض فيها الضرائب، وخصوصاً تلك الضرائب التي تفرض على عوائد بيع الأسهم. على كل حال، تجدر الإشارة أن تأثير شهر يناير أخذ بالانخفاض تدريجياً عاماً بعد عام، حتى أصبح تأثيره شبه معدوم في الأسواق الأمريكية اليوم.

 [ تأثير نهاية الأسبوع ]

وجد فرينش في ورقته المنشورة سنة 1980 أن العائد اليومي للأسهم الأمريكية غالباً ما يكون في السالب في أيام الاثنين ــ للفترة منذ 1953 وحتى 1977 ــ بينما تكون موجبة غالباً في باقي أيام الأسبوع. وفي أوراق أكاديمية مشابهة ــ لأسواق في دول أخرى ــ وجد أكاديميون نتائج مشابهة أيضاً. بالتالي، ترتبط هذه النتائج ارتباطاً وثيقاً بنفسية المستثمر، الذي غالباً ما يكون سعيداً عند اقتراب إجازة نهاية الاسبوع، والتي بدورها تنعكس على قراراته الاستثمارية في التداول، فيقوم بالبيع في بداية الأسبوع، كونه متشائماً أكثر في ذلك الوقت، والعكس الصحيح.

 كما هو الحال بالنسبة لتأثير شهر يناير، أخذ تأثير نهاية الاسبوع بالتلاشي تدريجياً، حتى اختفى تماماً، فقد قام أحد الأكاديميين بالبحث عن تأثير نهاية الأسبوع في الأسواق البريطانية سنة 2001، ولم يجد له أية أثر.

[ لعنة الفائز ]

 أعتذر عن العنوان، فقد قمت بترجمة هذه الظاهرة حرفياً، تشير هذه الظاهرة إلى انحراف أسعار الأصول عن قيمتها الحقيقية وذلك بسبب المزايدة على تلك الأصول، بمعنى آخر، حينما يقوم المستثمرون بالمنافسة على أصل معيّن، ترتفع ــ في حالة الشراء ــ قيمة ذلك الأصل، حتى تصل إلى مستوى معين لا يعكس القيمة الحقيقية للأصل، فيضطر المستثمر إلى دفع مبالغ طائلة سيخسرها على المدى الطويل عندما ينخفض الأصل إلى قيمته الحقيقية في السوق، هذا ما تطرق إليه ريتشارد ثيلر في ورقته الشهيرة التي نشرها في سنة 1988 تحت عنوان: لعنة الفائز.

 بالتالي، بالرغم من “فوز” المستثمر في حرب المزايدة، إلا أنه سيخسر على المدى الطويل، خصوصاً في الأصول التي تحمل طبيعة مضاربية، كالذهب على سبيل المثال. هذا التأثير يعتبر خرقاً  صريحاً لفرضية عقلانية المستمثرين، فقد ذكرنا في مثال سابق أن التمويل الحديث يفرض أن المستثمر يتخذ قرارات عاقلة تعظم ثروته إلى أكبر قدر ممكن ــ مقارنة مع معدلات المخاطرــ، إذاً لماذا يقوم البعض بالدفع بالأسعار بعيداً عن قيمتها الحقيقية؟ ربما يقع الإجابة في أحد الفرضيات الأخرى وهي “اختلاف الرؤى” بين المستمثرين، والتي سيتم التطرق إليها في مقال لاحق.

[ معضلة عوائد الأسهم ]

 كما هو معروف، ترتبط معدلات العوائد بمستوى المخاطر دائماً، فالأصل الذي يحمل نسبة مخاطرة عالية، يجب أن يعوض حامله عن طريق العائد المرتفع، والعكس صحيح. إذاً، كما هو متوقع، يشير الواقع العملي على أن العائد على الأسهم يفوق بكثير العائد على السندات الحكومية، على سبيل المثال، يبلغ متوسط العائد على السندات الحكومية الأمريكية 4% تقريباً، أما العائد السنوي لأسواق الأسهم الأمريكية يبلغ في 10% في المتوسط. ولكن، ما تفسير الاختلاف الكبير في العوائد بين الأسهم والسندات؟ قد يبدو بديهياً للقارئ بأن الأسهم أعلى خطورة من السندات، كونها معرضة بشكل أكبر للتقلبات في الأسعار، ولكن السبب الرئيسي يقع في الحافز، حيث يؤدي العائد العالي للأسهم إلى تحفيز المستمثرين للمشاركة في أسواق الأسهم، خصوصاً المستثمر الذي يتفادى المخاطر.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.