التصنيفاتبلوكتشين

العقود الذكية والمستقبل الاقتصادي

لا تعتبر العقود الذكية بمفهومها النظري أمراً حديثاً، ولكن عند اقتران العقود الذكية باللامركزية التي توفرها تقنية بلوك تشين، يصبح للموضوع أبعاداً أعمق بكثير. قبل أكثر من عشرين سنة، عرّف عالم الكمبيوتر والتشفير “نك سابو” العقود الذكية بأنها مجموعة من الأوامر البرمجية التي تنفذ نفسها بنفسها وفقاً لمجموعة من التعليمات وضعها مؤسس البرنامج، واستخدم “نك” مثالاً بسيطاً جداً يتعلق بآلات البيع الآلي كتلك التي تبيع المشروبات الغازية مقابل القطع المعدنية من النقود، والتي تعتبر أبسط وأقدم مثال للعقود الذكية، على حد تعبير نك. عندما يقوم شخص باستخدام آلة البيع، تنص الفرضية الأولى في هذا “العقد” ــ بين الآلة والمستخدم ــ على امتلاك المستخدم القطع المعدنية الكافية لشراء أحد المحتويات في الآلة، فإذا زاد هذا المبلغ، تقوم الآلة بتعويض المستخدم عن طريق دفع الفرق في صورة “باقي”، وإذا نقص المبلغ، ترفض الآلة العملية وتسترجع المبلغ إلى المستخدم، مما يعني أن الآلة فرضت هذا العقد بكفاءة عالية جداً وتكلفة قليلة، دون الحاجة إلى وجود عامل بشري يراقب أو يتأكد من صحة التعامل.

إذا أخذنا هذا المفهوم وقمنا بتطبيقه تحت بيئة بلوك تشين، نجد أن للعقود الذكية تطبيقات هائلة جداً قد تصنع موجة كبيرة من التغيير في العديد من الصناعات، خصوصاً تلك التي تعتمد على شركات الوساطة بمختلف أنواعها. وفق هذا الإطار، يستطيع أي شخص أن يقوم بأي تعامل تجاري ــ بيع، شراء، مبادلة ــ لأي أصل من الأصول، وفق التعليمات التي يضعها البرمج ضمن بنود “العقد الذكي”، فإن تحققت جميع هذه البنود، يتم إجراء التعامل، والعكس صحيح، مع الأخذ بالاعتبار إعلان هذا التعامل على البلوك تشين بشكل علني.

 

تضمن العقود الذكية تحقيق الكفاءة والسرعة في التعاملات التجارية فهي لا تتم إلا بعد التأكد من رصيد الشاري ومصداقية البائع، فتشترط على سبيل المثال بعض العقود الذكية تسليم الأصل المطلوب خلال فترة زمنية معينة من قبل البائع، وإلا سيتم استرداد المبلغ بالكامل إلى الشاري، تلقائياً دون الرجوع إلى البائع. لذلك، تضمن هذه العقود العدالة أيضاً في التعاملات التجارية. تبين الصورة التالية مثال حقيقي على أحد العقود الذكية التي تم كتابتها على منصة إيثيريوم. الجدير بالذكر أن العقود الذكية يمكن صياغتها على أي بلوك تشين، ولكن منصة إيثيريوم تعتبر في الوقت الحالي الأكثر كفاءة، وذلك بسبب كونها الأفضل حالياً في سرعة المعالجة.

لذلك، يتضح جلياً الآن حجم التغيير الاقتصادي الذي قد تحدثه موجة العقود الذكية، ابتداء من التعاملات التجارية بين الأفراد بشكل مصغر، وحتى التعاملات بين الشركات والبنوك، وربما في الأسواق المالية على المدى القريب. يجدر الذكر أن باركليز أعلن قبل أكثر من سنة عن استخدامه العقود الذكية لتداول المشتقات المالية، تحت بلوك تشين أطلق عليه “كوردا”، ولكنها تتطلب التعاون بين جميع البنوك، حتى يتم تسجيل التعاملات المالية في المشتقات على البلوك تشين وفق التعليمات التي قاموا بوضعها.

لا أعلم إذا كان الأمر قابلاً للتطبيق في المستقبل القريب، ولكنني أرى أيضاً إمكانية تطبيق العقود الذكية في تسوية التعاملات في أسواق الأسهم الأمريكية، والتي تأخذ يومين في الوقت الحالي، ربما لأسباب قانونية تتعلق بتسجيل حملة الأسهم في قيود الشركات.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.

رأي واحد حول “العقود الذكية والمستقبل الاقتصادي”

التعليقات مغلقة.