التصنيفاتالعملات الرقميةبلوكتشين

العملات الرقمية، وغياب الحافز للتطوير

على عكس المشاريع الصغيرة والشركات المدرجة في أسواق الأسهم، قد يكون الحافز الاقتصادي ــ المادي ــ في بيئة العملات الرقمية محدوداً ــ أول على الأقل مبهماً إلى حد ما ــ، مما يشكل عائقاً حقيقياً لتطور بعض العملات الرقمية، وذلك لسبب اقتصادي بسيط يتعلق بمشكلة “الراكب الحر” أو “الراكب المجاني” إن صحّت الترجمة الحرفية لهذه الدلالة الاقتصادية. ففي الشركات التقليدية، هناك هيكل تحفيزي اقتصادي واضح وهو هيكل الرواتب والمكافآت التي يجنيها الموظف والقيادي على حد سواء، كل حسب موقعه في الهرم الإداري. بالإضافة إلى ذلك، قد تقوم بعض الشركات بمنح أسهم لقياديي الشركة وبعض موظفيها حتى تكون مصالح الموظف متوازية مع مصالح حامل السهم، مما يحافظ على قيمة السهم.

أما في بيئة العملات الرقمية، وخصوصاً بعد الشهرة الواسعة التي حققتها في الفترة الأخيرة، قد لا يكون هناك حافزاً مادياً لتطوير الشبكات الخاصة بالعملات الرقمية ــ والتي تؤدي في الغالب إلى ارتفاع أسعار العملة الرقمية ــ لأن ما يجنيه المبرمجون من تطوير شبكات العملات الرقمية لا يتساوى أبداً مع الفائدة المادية التي يجنيها حامل العملة الرقمية بعد ارتفاع قيمتها، مما يفسر النقص الشديد في عدد المبرمجين المشاركين في تطوير العملات الرقمية، فهم لا يتجاوزون الـ 15 بالنسبة لبتكوين وإيثيريوم، فالغالبية العظمى من الناس تفضّل أن تشتري العملة الرقمية وتستفيد من ارتفاعها دون أية مجهود، وهو مثال حي على مشكلة “الراكب الحر“. بالطبع، المشاركة في تطوير العملات الرقمية ــ لا سيما العملات الشهيرة ــ يتطلب قدراً كبيراً من الخبرة والمهارة في لغات البرمجة، وهو ما يعول عليه البعض في قلة عدد المبرمجين، إلا أنني لا أراه سبباً رئيسياً لاعتقادي بأن المشكلة اقتصادية من الدرجة الأولى، فلو كان الحافز الاقتصادي لتطوير هذه العملات مجزياً، لزاد عدد المبرمجين بشكل حتمي. لذلك، نرى أن معدل الزيادة في شهرة العملات الرقمية لا يتوازى أبداً مع معدل الزيادة في المبرمجين المشاركين في تطوير شبكات العملات.

للاطلاع على المشاركين في تطوير العملات الرقمية، يمكنك زيارة هذا الموقع، يبين الشكلين أدناه معدلات النمو في أعداد المبرمجين بالنسبة لعملتي بيتكوين وإيثيريوم في السنوات الأخيرة:

لذلك، قد يؤثر ذلك على نمو الشبكات الخاصة في أشهر العملات الرقمية وتباطؤ تسوية تعاملاتها، فغياب قنوات التمويل والحافز الاقتصادي قد يؤدي إلى تبني حلولاً قد لا تكون مثالية، أي أن المبرمج سيضطر إلى قبول الحل الأقل تكلفة، والذي قد لا يكون بالضرورة هو الأفضل للمصلحة العامة. بالتالي، على الرغم من غياب المهارة في لغات البرمجة لدى أغلب المتداولين في سوق العملات الرقمية، إلا أن المشاركة قد لا تكون بالضرورة فنية، فالتبرعات المادية لشبكات العملات الرقمية قد تعطي المبرمج مساحة أكبر للإبداع، مما قد يحقق المصلحة العامة لسوق العملات الرقمية، ويحافظ على استقرار الأسعار في المستقبل القريب. على الرغم من ذلك، يشكل هذا المفهوم مفارقة اقتصادية واضحة، يرغب الجميع في تحقيق العوائد دون التضحية بجزء من أمواله الخاصة.

يمكن النظر إلى هذه التضحية كنوع من أنواع الضريبة، فأن لم يتم تحملها شخصياً من قبل المتبرعين، سيتحملها الجميع إما في صورة مادية ــ أي ضريبة تطوير “بلوك تشين” ــ وهو أمر مستبعد جداً لأنه سيقتل العملة الرقمية وسط المنافسة الشديدة، أو في صورة غير مادية، وهي بطؤ التعاملات بسبب “تخمة” الشبكة الخاصة بالعملة. في الحالتين، أعتقد شخصياً أن شبكات العملات الرقمية قابلة لتطوير كفاءتها بشكل كبير جداً إذا استطعنا التخلص ــ أو على الأقل تقنين ــ مشكلة الراكب الحر.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.