التصنيفاتالاقتصادالعملات الرقمية

هل غيرت بتكوين حياة البشر؟

في الغالب، تطغى الأخبار السلبية على المشهد العام عند متابعة العملات الرقمية بشكل عام وبتكوين بشكل خاص، فنقرأ بشكل شبه يومي عن تضخّم فقاعة العملات الرقمية، ناهيك عن عمليات الاختراق التي تتعرض لها بعض منصات التداول بشكل دوري، بالإضافة إلى الأخبار السلبية المتعقلة بتشريعات بعض الدول التي تمنع التداول بالعملات الرقمية. علاوة على ذلك، لعل الجانب الإيجابي ــ وهو أمر نسبي ــ هو تحقيق العديد من الأشخاص ثروة طائلة من بتكوين والعملات الرقمية، لست متأكداً من كون هذا الأمر إيجابياً ربما بسبب سيطرة الطمع، فمن يتداول في العملات الرقمية ليس بالضرورة مؤمناً بها كأدوات مالية قد تغير المستقبل الاقتصادي، إنما يتداول فقط طمعاً بالأرباح بغض النظر عن نوعية العملة الرقمية ونشاطها. أعتقد شخصياً أن الطمع المستشري في منصات تداول العملات الرقمية قد يتسبب يوماً ما في اختلال تقييم العديد من العملات الرقمية مما قد يتسبب بظلم بعض العملات الرقمية ذات التأثير الاقتصادي الحقيقي.

لذلك، دائماً ما يتبادر إلى ذهن الكثير، هل غيرت بتكوين فعلاً حياة بعض البشر بشكل جذري؟ لن أتحدث عن باقي العملات الرقمية وذلك لحداثة تجربتها عند مقارنتها بالعمر الزمني لبتكوين. على الرغم من صعوبة الإجابة على هذا السؤال، لإنها مازالت تعتبر تجربة اجتماعية-اقتصادية. على كل حال، أقرأ هذه الأيام كتاب “العملات الرقمية: مستقبل النقود؟“، وهو ما دفعني إلى كتابة مقال اليوم، يتطرق الكاتبان إلى واقعة حقيقية غيرت مجرى حياة شخص للأبد قبل عدة سنوات، وهي قصة الفتاة الأفغانية “باريسا أحمدي” والتي كانت تعاني من شح التعليم والموارد الاقتصادية بحكم أوضاع بلدها، إلى جانب تفوقها الدراسي، وبعد استخدامها للانترنت، بدأت تكتب في أحد المواقع مقابل أجر مادي ضئيل، ولكن هذا الأجر كان يمر من خلال القنوات البنكية التقليدية، مما قد يتسبب في أمرين: أولاً، استقطاع جزء من المبلغ كرسوم للبنوك الوسيطة. ثانياً، قد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قد يستمر لأيام، مما لا يناسب عائلة ذات دخل محدود. بالإضافة إلى ذلك، لا تسمح الأعراف في أفغانستان للمراهقات في فتح حسابات بنكية، مما يعني أن هذه المبالغ لابد أن يتم إيداعها في حساب والدها. ولكن، في أحد الأيام قرر الموقع الذي تكتب فيه باريسا أن يتحول من الدفع النقدي التقليدي إلى الدفع بعملة بتكوين، فقامت باريسا بإنشاء محفظة رقمية خلال دقائق معدودة، وأصبحت تتلقى دفعاتها كاملة وبشكل فوري. قد يعتقد البعض أن هذا الأمر بسيط، إلا أنه تطور مالي مذهل جداً له انعكاسات اقتصادية عميقة جداً، لعل أهمها الاستقلال الاقتصادي الكامل والحرية المالية، فعلى حد تعبير رجل الأعمال الإيطالي فرانشيسكو رولي ــ تعليقاً على هذه القصة بالتحديد ــ، قد تنقذ بتكوين حياة أكثر من 55,000 امرأة في أفغانستان يعيشون في ظروف مشابهة لظروف باريسا.

علاوة على ذلك، قد يطرأ على بال القارئ أيضاً مصائب بعض الدول الاقتصادية والمتعلقة غالباً بفساد الحكومات واختلال توزيع الثروات، كالكارثة الاقتصادية التي تعيشها فنزويلا اليوم، فقد كتبت مقالاً في يناير الماضي عن معاناة فنزويلا الاقتصادية وكيف لبتكوين أن تنقذ الشعب الفنزويلي من التضخم المفرط الذي تعيشه الدولة. للأسف الشديد، أصبح الوضع الاقتصادي في فنزويلا اليوم أسوأ بكثير من يناير السابق، فقد بلغت معدلات التضخم أرقاماً فلكية تجاوزت 4000%، لذلك، لجأ آلاف المواطنين من فنزويلا إلى بتكوين ــ سواء تعدين أو تداول ــ لمكافحة التضخم وانهيار العملة. الجدير بالذكر أن حكومة مادورو في فنزويلا اليوم تبنت مشروع حكومي لإطلاق عملة رقمية حكومية، إلا أنني لا أرى جدوى هذا المشروع حتى الآن، فالوضع الاقتصادي يحتاج إلى حزمة تشريعات أعمق بكثير من مجرد إطلاق عملة رقمية حكومية.

بالطبع، قد لا تعني قصة “باريساً” ــ أو حتى الوضع الاقتصادي في فنزويلا ــ أن العملات الرقمية خالية العيوب، فمازالت تعتبر هذه القصص والحوادث نادرة إلى حد ما، ربما بسبب غياب التغطية الإعلامية، والتي غالباً ما تركّز على الجانب المظلم للأسف الشديد. على الرغم من ذلك، مازال الحكم مبكراً جداً على العملات الرقمية، فعلينا أن ننتظر حتى تهدأ موجة التداول، لتبدأ التطبيقات الحقيقية للظهور على الواقع، خصوصاً مع زيادة التقبل تدريجياً للعملات الرقمية وتقنية بلوك تشين. ولعل السلبية الكبرى في الاعتماد على بتكوين ــ تحديداً ــ كعملة هي التقلبات اليومية في أسعار بتكوين، مما قد يتسبب في اختلال القوة الشرائية يومياً.

لا زلت أتصفح الكتاب، فقد قمت بشرائه قبل سنة تقريباً، ولكنني بدأت بقراءته مؤخراً، والمذهل في الأمر أن هناك العديد من التغيرات التي طرأت على المشهد العام في بيئة العملات الرقمية في عام واحد فقط ، وذلك عند مقارنتها ببعض المعلومات المذكورة في الكتاب، خصوصاً في معدلات تبني بتكوين والعملات الرقمية، علاوة على أحجام وكميات التداول.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.