التصنيفاتبلوكتشين

تقنية بلوك تشين وأزمة الرهن العقاري

إلى جانب الحجم الكبير جداً من الطمع والفساد الذي تسبب في الأزمة المالية العالمية قبل أكثر من عشر سنوات ــ أزمة الرهن العقاري ــ، كان لشح البيانات وقلة الشفافية أيضاً نصيباً لا بأس فيه من اللوم، ناهيك عن بعض الفراغات التشريعية التي شجعت البنوك بشكل غير مباشر أن تأخذ كميات كبيرة من المخاطر عن طريق الرفع المالي. سأقوم بالتركيز في هذا المقال على جانب انعدام الشفافية وقلة البيانات آنذاك، وكيف لتقنية بلوك تشين أن تساهم ــ ولو جزئياً ــ في حل هذه المشكلة، وهو الأمر الذي تبين لي أثناء قراءة الورقة التي تطرقت لها في مقال الأمس، فقد قام الكاتبان بالتطرق بشكل سريع جداً لهذه الجزئية في أحد حواشي الورقة، وهو ما دفعني إلى البحث أكثر عن دور بلوك تشين في حل هذه المعضلة آنذاك

 

لعل المعضلة الأخلاقية الكبرى التي تسببت بجزءاً كبيراً من الأزمة آنذاك هي التراخي في إعطاء القروض لمن يستحق ومن لا يستحق على حد سواء ــ بناء على التصنيف الائتماني للعملاء ــ، مما ساهم ببناء كرة كبيرة من الثلج كانت بمثابة القنبلة الموقوتة، لذلك، عند قيام البنوك بـ”توريق” القروض المرهونة بالعقار، كان يتم تجميعها في حزمة واحدة، على أن تباع هذه الحزمة إلى المستثمرين، كونها استثماراً “آمناً” إلى حد ما لأنه يعتمد على سياسة التنويع، أي أن الحزمة الواحدة كانت تحتوي على مجموعة كبيرة جداً من المقترضين، باختلاف تصنيفاتهم الائتمانية، مما يقلل الاحتمالية الإحصائية لإفلاسهم جميعاً في آن واحد، لاسيما في ظل فساد بعض جهات التصنيف الائتماني آنذاك والتي كانت تعطي تصنيفات ائتمانية عالية جداً لهذه الأوراق المالية، كونها تراهن على سوق العقار الأمريكي في ذاك والوقت، والذي يعتبر بمثابة العمود الفقري للاقتصاد الأمريكي، على حد تعبيرهم

مع مرور الوقت، بدأت البنوك بزيادة درجة المخاطر في هذه الأوراق المالية المرهونة بالعقار، وذلك لسبب بسيط: لم يعد هناك عدداً كافياً من المقترضين، مما دفع بالبنوك إلى التوجه إلى العملاء أصحاب التصنيفات الائتمانية المتدنية جداً، حتى وصل الأمر إلى إعطاء قروض لأشخاص دون رواتب وأجور ثابتة. على الرغم من ذلك، باعت البنوك هذه الأوراق المالية على أنها استثمارات آمنة ذات تصنيف ممتاز جداً، دون الإفصاح عن محتوى هذه الأوراق المالية والتصنيف الائتماني للمقتضرين، مما ساهم بتظليل العديد من المستثمرين. في ذاك الوقت، كانت تقوم البنوك بهذه الأعمال تحت ذريعة “البيانات المعقدة” و”النماذج الرياضية المتطورة جداً” التي قد لا يفهمها المستثمر العادي، لذلك، لم تفصح عن آلية التوريق، ولا آلية إنشاء الأوراق المالية وتوزيع الأوزان بداخلها

لذلك، ماذا لو تم استخدام بلوك تشين لتتبع تركيبة هذه القروض بالتفصيل الممل؟ تقوم أكبر البنوك عالمياً اليوم بتجربة بلوك تشين للقيام بهذا الأمر ــ ويبدو أنهم نجحوا بذلك ــ، حيث قامت هذه البنوك بإنشاء شبكة بلوك تشين تقوم بتتبع القروض المرهونة بالعقار، وقد يساهم ذلك بتحسين آلية توريق هذه القروض، وذلك عن طريق “تسعيرها” أو تقييمها بشكل عادل يضمن توازي السعر مع كمية المخاطر الموجودة في الأوراق المالية، ناهيك عن إمكانية “رهن” العقار دون الحاجة لوسيط مالي ــ البنك ــ وهو أمر قد يساهم في إلغاء الوسيط التقليدي

تختصر الورقة التالية من مؤسسة برايس ووتر هاوس أبرز الفوائد المتوقعة لتطبيق بلوك تشين في قطاع العقار والرهن العقاري

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.