قرأت في الأمس ورقة أكاديمية لم تنشر بعد لكريستيان كاتليني من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا وجوش جانس من جامعة تورنتو حول بلوك تشين ومدى قابلية تطبيق النظرية الاقتصادية عليها، والعكس كذلك. الجدير بالذكر أن الورقة مناسبة للأكاديميين بمختلف درجة اطلاعهم (أو اهتمامهم) بتقنية بلوك تشين، فهي تبدأ بالتدريج من المفاهيم البسيطة المتعلقة بأساسيات عمل بلوك تشين، حتى التفاصيل الدقيقة التي تتعلق بالفروقات الأساسية بين بلوك تشين العملات الرقمية والبروتوكولات التي تحكم هذه الأنظمة.
بإمكانك قراءة الورقة من خلال هذا الرابط
لعل أحد الأسئلة الجوهرية التي تتبادر إلى ذهن الكثير عند الحديث عن العملات الرقمية: هل يمكن لأحد ما “تزوير” ــ أو إحداث أي ضرر ــ بلوك تشين خاص بعملة من العملات وذلك بعد إتمام السيطرة عليه عن طريق احتكار قوى التعدين؟ الإجابة النظرية هي “نعم” ولكن في الواقع العملي هو أمر مستحيل، لسببين. السبب الأول وهو سبب تقني بحت ــ خارج عن تخصصي ــ يتعلق بـ”آلية التأكيد” الخاصة بالبلوك تشين، والتي تتطلب أن تقوم جميع الأجهزة المرتبطة بالبلوك تشين بـ”تأكيد” الصفقات والاتفاق على صحتها. بمعنى آخر، لتزوير أي تعامل أو صفقة في البلوك تشين، يحتاج أن يقوم الشخص بتزوير جميع التعاملات السابقة مع “إجبار” جميع الأجهزة المرتبطة بالبلوك تشين بالتأكيد على صحة هذا التزوير، ومن الناحية التقنية يبقى هذا الأمر مستحيلاً بسبب إرفاق جزء ــ يطلق عليه “هاش” ــ في كل صفقة حالية، بحيث يكون متعلقاً بالصفقة السابقة، كما تبين الصورة التالية، والمأخوذة من ذات الورقة.
ثانياً، علاوة على ما تم ذكره في الفقرة السابقة، يفتقد هذا الفعل إلى الجدوى الاقتصادية نهائياً، فتزوير هذا الكم من الصفقات يحتاج قوة حاسوبية هائلة كان من الأجدر أن تستخدم في التعدين عوضاً عن “تخريب” البلوك تشين الخاص بالعملة، فهي بالتالي تعتبر فرصة ضائعة ترتبط ارتباطاً مباشرة بالمفهوم الاقتصادي لـ”تكلفة الفرصة البديلة“. لذلك، كلما زادت كمية الصفقات التاريخية في البلوك تشين، كلما كان الوضع الأمني للعملة أفضل، فتصبح مع مرور الوقت غير قابلة للاختراق والتخريب من أي جهة، حتى لو فرضت هذه الجهة هيمتنها المطلقة على قوى التعدين.
إضافة إلى ذلك، تفاجأت بكمية بالاهتمام الأكاديمي المتزايد جداً حول البحوث المتعلقة بتقنية بلوك تشين بشكل عام، وبالعملات الرقمية بشكل خاص، وهو تطور ممتاز جداً قد يساهم في إضفاء غطاء أكاديمي يساهم في خلق توصيات تشريعية أو فنية في المستقبل القريب، لاحظ عدد الدراسات التي تمت الاستعانة بها في الورقة، والتي معظهما عبارة عن أوراق قيد العمل لم تنشر بعد.
أحاول حالياً الحصول على أكبر عدد ممكن من هذه الأوراق لقرائتها والتعليق عليها ــ إن أمكن ــ في المستقبل القريب.
