التصنيفاتالأسواق الماليةالاقتصادالمشروعات الصغيرةبلوكتشين

استخدام بلوكتشين لتمويل المشروعات الصغيرة

بعد انتشار المصطلح بشكل كبير جداً، أعتقد أن الوقت أصبح ملائماً للتخلي عن ترجمة المصطلح حرفياً والإكتفاء بذكر المصطلح الإنجليزي: بلوكتشين أو بلوك تشين، وهي التقنية التي تقوم عليها العملات الرقمية اليوم. بالطبع، تمويل المشروعات الصغيرة جزئياً وجماعياً ليس بالفكرة الجديدة كلياً، ولكن الأمر الغير مطبق بشكل واضح حالياً ــ عن طريق دعم حكومي ــ هو إنشاء بورصة لتمويل المشاريع الصغيرة، أسوة بأسواق المال التقليدية التي تدرج بها الشركات أسهمها، فهناك عدة بورصات على الانترنت مخصصة بشكل رئيسي لتمويل المشروعات الصغيرة ولكن الأمر سيختلف تماماً إذا كان السوق مدعوماً من قبل الحكومات، وذلك لإعطاء غطاء شرعي وقانوني لهذا السوق، بالإضافة إلى خلق نوع من الأمان لدى المستثمر.

لعل التجارب الأولى لإنشاء بورصات مخصصة للمشاريع الصغيرة كانت في هولندا وهونج كونج قبل عدة سنوات، ولكنها كانت بمثابة حقل ألغام بالنسبة للمشرع والمستثمر على حد سواء، ربما بسبب تخوف المستثمرين آنذاك وعدم توفر البيئة المناسبة لتحفيز هذا النوع من الاستثمار، ناهيك عن معدلات المخاطر العالية جداً المقترنة بالمشاريع الصغيرة، فنسبة قليلة من المشاريع الصغيرة يُكتب لها النجاح. ولكن، الجدير بالذكر أنه تم إعادة إحياء التجربة قبل عدة أشهر في تايلند، عندما أعلن سوق الأوراق المالية التايلندي عن تبنّيه لفكرة إنشاء بورصة مخصصة لأصحاب المشاريع الصغيرة، على أن يبدأ التداول بهذه البورصة خلال الربع الثالث من هذا العام، ويجدر الذكر أيضاً أنها ستعمل بالكامل على تقنية بلوكتشين، مما يعني أنه لن يكون هناك أية قيود على كميات التداول وهو الذي يتناسب مع طبيعة الاستثمار في المشروعات الصغيرة.

ولكن كيف للأسواق المالية التقليدية أن تستفيد بشكل كامل من تقنية بلوكتشين؟ في الوضع الحالي وتحت أنظمة التسوية الحالية، تعاني البورصات من مركزية قاتلة في تسوية التعاملات، حيث يتم تسوية جميع التعاملات بين المتداولين عن طريق جهات مركزية في الأسواق وهي جهات المقاصة، كما يبين الرسم التالي:

[المصدر: Visual Capitalist]

في حال تطبيق تقنية بلوكتشين، يحل المتداول محل جهة المقاصة ليصبح بنفسه الجهة التي تقوم بتأكيد وتسوية عمليات البيع والشراء عن طريق ميزة “الند للند” ــ إن صحت الترجمة ــ التي تقوم عليها بلوكتشين، فإذا رغب أحد المتداولين ببيع أصل معين، يتم إعلان الرغبة بالبيع على شبكة البلوكتشين ولن يتم توثيق عملية البيع إلا عندما يظهر طرف آخر يرغب بالشراء، بحيث يتم إيصال البائع بالشاري عن طريق خوارزميات خاصة بالشبكة. وأخيراً، بعد أيصال الطرفين، يتم تسوية العملية عن طريق عمليات التعدين ليتم توثيقها على البلوكتشين بعد “خلق” قطعة جديدة داخل النظام، وهكذا تستمر العملية لتخلق سلسلة من القطع المتصلة، ويبين الشكل التالي النموذج اللامركزي الذي ستتبعه الأسواق المالية في حال تبنيها تقنية بلوكتشين.

[المصدر: Visual Capitalist]

إذاً، يتضح من الصور أعلاه أن هذه العملية أسرع، أقل تكلفة، وربما أكثر أماناً من عمليات التسوية التي تتم حالياً في الأسواق المالية التقليدية، ناهيك عن الشفافية العالية التي تنتج عن عمليات التسوية القائمة على بلوكتشين. لذلك، لن يكن الأمر مفاجئاً أبداً عندما تعلن العديد من الأسواق المالية العالمية تبنيها لتقنية بلوكتشين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: سوق أبوظبي للأوراق المالية، البورصة الاسترالية، وبورصة لندن، هذا المقال يختصر تجربة العديد من الأسواق المالية حول العالم في تبنيها لتقنية بلوكتشين، وهو موضوع أنوي التطرق له في المستقبل القريب بإذن الله.

السبب الرئيسي والذي كان بمثابة البذرة لكتابة مقال اليوم هو مشروع فندربيم، المشروع القائم بالكامل على بلوكتشين لتمويل المشاريع الصغيرة، ولعلها البورصة الوحيدة حالياً القائمة على بلوكتشين ــ حتى تاريخ كتابة هذا المقال ــ، فهو يقوم بتطبيق ما تم ذكره أعلاه حرفياً، ولخلق نوع من الثقة للمبادرين والمستثمرين، قام فندربيم بتمويل نفسه ذاتياً عن طريق استخدام ذات المنصة التي يتيحها للمبادرين، وحصل على أكثر من 400,000 يورو من أكثر من 28 دولة حول العالم، مما يتيح الفرصة للجهات الحكومية لتستفيد من تجربة هذا المشروع وتفادي الأخطاء المستقبلية عند تطبيقها لنفس الفكرة، سواء الأخطاء التقنية، والتي تتعلق بتطبيق تقنية بلوكتشين ذاتها، أو الأخطاء الفنية التي قد تتعلق بكيفية تقييم المشروعات الصغيرة، وهو أمر بالغ التعقيد وذلك لصعوبة ترجمة بعض المخاطر وتحويلها إلى مؤشرات قابلة للقياس.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.