التصنيفاتالذكاء الاصطناعي

التعلم الآلي في الجهات الحكومية

عادة ما يقترن ذكر الجهات الحكومية بقلة الانتاجية وتدني الأداء الإداري في العديد من الدول، فتكدّس الموظفين وغياب الحافز الوظيفي يشكّلان عائق حقيقي أمام التطور والإبداع في العمل، ناهيك عن غياب الاستثمار الحكومي في التكنولوجيا الحقيقية التي تتعدى مجرد ميكنة إجراءات العمل والقضاء على الورق.

 تتميز أنظمة التعلم الآلي ــ وهي أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي ــ بقدرتها الفائقة على تحليل ملايين المدخلات من البيانات في أوقات قياسية جداً، عن طريق خوارزميات تقوم بتعليم نفسها بنفسها، فتطبيقات التعلّم العميق تقوم بالكشف عن طبقات معينة من العلاقات في قواعد البيانات قد لا يكتشفها الإنسان إلا بعد سنوات من التحليل التقليدي والروتيني لقواعد البيانات، والذي قد يكون محفوفاً بالأخطاء البشرية. إذاً، ماذا لو تم تطبيق نظم الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في الجهات الحكومية؟ لأكون موضوعياً أكثر، تعتبر تلك النظم بالغة التعقيد والتكلفة إلى درجة تجعل الشركات والمشروعات الصغيرة تفكّر مرتين قبل الاستثمار في هذه النظم، لأن هذه الشركات تسعى إلى زيادة الأرباح في نهاية المطاف، فمن هذا المنطلق، يجب أن نذكر أن الهدف الأسمى من الجهات الحكومية هو تحقيق المنفعة الاجتماعية عن طريق تقديم الخدمات بأعلى جودة، فقد لا يكون هناك حافز حقيقي لتطبيق تلك النظم في الجهات الحكومية، وذلك لغياب الجانب الاقتصادي، وهو الربح.

machine

 على الرغم من غياب الحافز الحكومي، قد تخلق أنظمة التعلم الآلي حوافز من جانب آخر، وهو تقليل الهدر والتكاليف الغير مبررة في الجهات الحكومية، وبالتالي إعفاء ميزانية الدولة من المصروفات التي يمكن الاستغناء عنها. على سبيل المثال، قد يتم تطبيق نظم الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في تحليل قواعد بيانات طلبة وطالبات المدارس الحكومية، عن طريق تحليل تلك البيانات، تستطيع الأنظمة التنبؤ بكميات ومستويات أداء الطلبة والطالبات، لتبرير حجم المصروفات والميزانيات التي يتم تحديدها للمدارس، عن طريق إنهاء خدمات المدرس الغير كفؤ مثلاً، أو تقليل كميات الكتب المطبوعة سنوياً، فكما ذكر البروفيسور ستيفين جولدسميث  ــ من جامعة هارفرد ــ، يمكن للتعلم الآلي فعلاً أن يغيّر الجهات والسياسات الحكومية إلى الأبد. في المستشفيات الحكومية أيضاً، يمكن توظيف تلك النظم لتوفير أموال طائلة سنوياً، فقد قام أحد الباحثين في جامعة كارنيجي ميلون بتطوير نظام تعلّم آلي يمكنه التنبؤ بالنوبات القلبية قبل أربعة ساعات من حدوثها، مما يوفر الكثير من الأموال التي قد تصرف لإنقاذ المريض في حال عدم تفادي النوبة القلبية.

 كانت الأمثلة السابقة تقتصر على التطبيق العملي في الجهات الحكومية، ولكن ماذا عن السياسات الحكومية في اتخاذ القرار؟ وكيف يمكن لنظم التعلّم الآلي التحسين من تلك السياسات؟ يمكن لتلك الأنظمة أن تحسّن من آلية اتخاذ القرار عن طريق توعية المسؤول الحكومي عن علاقات بين متغيرات لم تكن لتطرأ على البال، كمحاولات الجهاز القضائي في شيكاغو الآن تطبيق نظام ذكاء اصطناعي يساعد القضاة في اتخاذ قرارات إطلاق السراح المشروط، كما هو مبين في الصورة أدناه:

(المصدر: The Economist)

 ولكن، على الرغم من الذلك، قد يظل تطبيق نظم الذكاء الاصطناعي بشكل عام أمراً غير مجدياً في الجهات الحكومية وذلك بسبب ارتفاع تكلفة تلك النظم ــ كما ذكرت سالفاً ــ، بالإضافة إلى اعتمادها الكبير على عبقرية المبرمبج في صياغة خوارزميات بالغة التعقيد، وهو الذي غالباً ما يكون التحدي الأكبر للجهات الحكومية، لأنها لا تعتبر جهات جاذبة للعباقرة من المبرمجين، ولذلك يعمل القطاع الخاص جاهداً على جذبهم للعمل عن طريق عقود عمل مغرية، ناهيك عن توجه الكثير منهم إلى العمل المستقل، وهو الذي يفسّر انفجار المشاريع الصغيرة المتعل بالتعلّم الآلي، والذي أصبحنا نراها بشكل شبه يومي.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.