التصنيفاتالأسواق الماليةالاقتصاد

ماذا تضيف البورصات للمجتمع؟

سؤلت قبل عدة أيام سؤالاً اقتصادياً قد يبدو سهل الجواب في بادئ الأمر، ولكن سرعان ما تتعقد الأمور عند التعمق أكثر في الجواب، ما القيمة المضافة التي تعطيها الأسواق المالية ــ بمختلف أنواعها ــ للمجتمع؟ تخلق الإجابة على هذا التساؤل أسئلة أكثر وربما أعمق: هل يستفيد عامة الأفراد في المجتمع من إزدهار الأسواق المالية؟ أم المتداول فقط هو المستفيد؟ هل تصلح البورصات والأسواق المالية لجميع الاقتصاديات ــ النامية منها والمتطورة على حد سواء ــ؟ قمت بإعادة صياغة السؤال الرئيسي بطريقة لا تحتمل الجواب بالنفي، لاعتقادي المطلق بأن هناك دائماً قيمة مضافة للأسواق المالية، تتغير بتغير المناخ الاقتصادي بشكل مباشر، وتعتمد بشكل كبير على سلوكيات المتداول وقراراته التي يتخذها عند التداول.

 لعل الخيط الأول في الإجابة على السؤال يكمن في الدور الرئيسي للأسواق المالية، وهو تمويل الشركات سواء عند إدراجها للمرة الأولى، أو عند قيامها بزيادة رأس مالها عن طريق البورصة. يعمل النظام الأساسي في الأسواق المالية بشكل لا يسمح للشركات السيئة بالاستمرار في العمل، وذلك عن طريق آلية بسيطة ومنطقية: يقوم كل متداول بالاستثمار بالشركات التي يراها بأنها “جيدة” ــ وهو ما يتطابق تماماً مع فرضية عقلانية المستثمرين التي تم التطرق إليها سابقاً ــ، ويتفادى الشركات “السيئة”، بالتالي مع مرور الوقت، تزدهر الشركات الجيدة وتختفي الشركات السيئة تدريجياً. بالطبع، تختلف وجهات نظر بشكل كبير بين المستثمرين حول ما يجعل شركة ما “جيدة” أو “سيئة” ــ طبقاً لفرضية اختلاف التوقعات، وهي أحد قواعد التمويل السلوكي ــ، ولكن هناك دائماً وأبداً رأياً سائداً في السوق يتفق عليه أغلب المستثمرين، وهو المشكّل الرئيسي لاتجاه الأسعار في السوق، فحينما يتحرك سعر شركة ما في اتجاه معين (سواء في الصعود أو النزول)، تجد أن هناك قوة دفع تدفع بسعر السهم بقوة أكبر في نفس الاتجاه، ولا تتوقف قوة الدفع هذه إلا بتغير توقعات المتداولين بشكل عام، أي عندما يجمع أغلب المستثمرين على رأي معين، وهو ما يشكل بداية الشرارة للشركات الجيدة، أو بداية السقوط للشركات السيئة. إذاً، عندما يتأصل هذا السلوك في الأسواق، تبقى فقط الشركات الجيدة، وهذا بدوره ينعكس بشكل مباشر على المجتمع، حينما تبقى شركات جيدة تقدم خدمات ومنتجات ذات جودة عالية ــ في الغالب ــ، مما يفيد المتداول وغير المتداول على حد سواء، وهذا بحد ذاته يعتبر قيمة مضافة أضافتها الأسواق إلى المجتمع بشكل عام.

 يقتصر أثر الفائدة المذكورة أعلاه على الاقتصاد الداخلي للدولة بشكل أساسي، ولكن ماذا عن الاقتصاد الخارجي للدولة ــ وعملتها بالتحديدــ؟ هناك فائدة مباشرة تخلقها الأسواق في هذا الصدد. لنفرض السيناريو التالي، قامت إحدى الدول ذات الاقتصاد الناشئ بتحسين الأوضاع الداخلية لأسواقها المالية، كتحسين مستويات الشفافية وزيادة المنتجات المطروحة للتداول في السوق على سبيل المثال، بلا شك ستزيد هذه الخطوات الإصلاحية من جاذبية السوق بالنسبة للمستثمر الخارجي، مما يؤدي إلى استقطاب رؤوس الأموال الاستثمارية من الخارج إلى الاقتصاد الداخلي عن طريق السوق المالي. بالتالي، بفرض أن التداولات في السوق المالي تتم عن طريق العملة المحلية للدولة، سيجبر المستثمر الأجنبي على التحويل للعملة الداخلية للبلد، مما يزيد الطلب عليها، وهو الذي بدوره سيرفع من قيمة العملة في أسواق العملات. هذا الارتفاع بدوره سوف يخلق قيمة مضافة لثلاثة جهات: المستثمر في السوق الداخلي للدولة، المتداول ــ المحلي والأجنبي ــ لعملة الدولة في سوق العملات، وأخيراً مواطن الدولة الغير متداول. لعل الفائدة لأول جهتين واضحة ولا تحتاج إلى أية شرح، ولكن كيف يستفيد المواطن العادي من ارتفاع عملته في الأسواق العالمية؟ تتم الاستفادة بشكلين أساسيين، أولاً، ارتفاع العملة سيؤدي إلى زيادة الواردات، لأنها أصبحت أرخص مع ارتفاع العملة، وهو تأثير إيجابي جداً للدول المستوردة بشكل أساسي ــ كدولة الكويت على سبيل المثال ــ، ولكنه تأثير سلبي للدولة التي تعتمد على الصادرات ــ كالصين مثلاً ــ. ثانياً، سيحصل مواطن الدولة ذات العملة المرتفعة على كميات أكبر من العملات الأجنبية، وهو الأمر الإيجابي جداً لشعب يعشق السفر أو حتى الاستيراد، كما ذكرت سالفاً.

 بالإضافة إلى ما تم ذكره أعلاه، تخلق الأسواق المالية وظائف أكثر في المجتمع، بغض النظر عن أداء السوق، بحيث تتدرج هذه الوظائف من ابتداءاً موظفي الأمن والسلامة وانتهاءاً بالإدارة العليا للسوق، أي انها تستقطب موظفين من مختلف المستويات العلمية والخبرات. بالطبع، لا تقتصر الوظائف على السوق فقط، بينما تتوسع لتخلق شركات استثمارية وشركات وساطة مالية، والتي تقوم بدورها بتوظيف المزيد والمزيد من الموظفين بمختلف المستويات الوظيفية.

 بالطبع، قد يختلف البعض مع ما تم ذكره أعلاه، لأن القيمة المضافة تبقى محلاً لوجهات النظر في أغلب الأحيان. على سبيل المثال، هناك من يتهم الأسواق المالية بمختلف أنواعها بأنها سبب رئيسي للكوارث المالية، فلو لم يكن هناك أسواقاً مالية، لما حدثت الأزمة المالية العالمية على سبيل المثال. من وجهة نظري الشخصية، حتى وإن كانت الأسواق المالية سبباً في تلك المصائب، أرى أنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من أي اقتصاد رأسمالي، لا سيما أن إيجابيتها تتغلب بشكل واضح جداً على سلبياتها.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.