التصنيفاتالأسواق المالية

فيرتو وفرضية كفاءة الأسواق

يؤمن جمع كبير من الأكاديميين والمتداولين بفرضية كفاءة الأسواق الشهيرة ــ بمختلف مراحلها ــ والتي تفرض انعكاس المعلومات على أسعار الأوراق المالية بطريقة تمنع أغلب المستثمرين من “التغلب على السوق” وتحقيق عوائد تستمر لفترات طويلة. بمعنى آخر، ما تعرفه اليوم قد لا يساعدك غداً في تحقيق أية عوائد مما يجعل حركة الأوراق المالية حركة عشوائية بحتة تتبع ما يسمى احصائياً بظاهرة المشي العشوائي أو الخطوات العشوائية.

 بالطبع لا يتفق الكل مع هذه الفرضية، فالبعض يرفضها جملة وتفصيلاً والبعض الآخر أضاف أجزاء معينة لها لتصبح أكثر شمولية، كإضافة عنصر العرض والطلب للفرضية من قبل البروفيسور آندرو لو من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا مثلاً. ولكن، ماذا لو تم العثور على دليل ملموس يشكل تهديد كبير لهذه الفرضية؟ هذا ما تشكله شركة فيرتو اليوم، والتي تم طرحها للاكتتاب في ناسداك في السنة الماضية.

 كما يعرف الجميع ناسداك يعتمد بشكل أساسي على صنّاع السوق، بعكس الأسواق الكلاسيكية الأخرة التي تتبع نظم المزايدة كبورصة نيويورك مثلاً. بالتالي، عندما يجتمع العنصر التكنولوجي متمثلاً بخوارزميات التداول عالي التردد مع آلية صنّاع السوق التي يوفرها ناسداك، يكون الناتج هو “فيرتو” والتي حققت خسارة واحدة فقط في ستة سنوات من التداول، ضاربة بعرض الحائط فرضية الكفاءة التي لا تحتمل حدوث مثل هذا السيناريو. بالتالي، من وجهة نظري، يطرح هذا الإنجاز الاحتمالات التالية.

 الاحتمال الأول: لم تكن الأسواق المالية بدرجة الكفؤ المتوقعة، أي أننا بالغنا في تصورنا لكفاءة الأسواق.

الاحتمال الثاني: يخلق التداول العالي التردد بيئات تداول غير عادلة تضرب في صلب التركيبة الجزئية للأسواق.

الاحتمال الثالث: يجب علينا التخلي نهائياً عن فرضية كفاءة الأسواق والانتقال إلى مفهوم أشمل يتماشى مع التطور الطبيعي للأسواق.

 أستبعد شخصياً الاحتمال الثالث، ولكني أعتقد بأن الاحتمالين الأول والثاني مجتمعين قد يساهمان في تفسير هذه الظاهرة، لإنه من المستحيل أن تكون الأسواق ذات كفاءة تامة تعكس حتى المعلومات الداخلية للشركات ــ كتلك المتعلقة بالمدققين الداخليين مثلاً ــ وكذلك بسبب تباطؤ المشرع في التعامل مع التداول عالي التردد، وهو أمر بالغ الصعوبة لأنه يحتاج إلى تكنولوجيا هائلة وعلماء كمبيوتر وبيانات بالغي الذكاء.

 الجدير بالذكر أن فيرتو أخذت بالتوسع لتدخل جميع الأسواق الالكترونية التي تعمل وفق نظام صنّاع السوق، فتقوم بخلق سيولة هائلة في تلك الأسواق، مع الاستفادة من عمولات السيولة والوساطة التي تقوم بها عندما تجمع بين البائع والمشتري. عندما تقوم بدور صانع السوق من خلال كميات تداول هائلة، يكون الناتج الإحصائي نموذج غير قابل للخسارة أبداً، لاحظ الجدول الإحصائي التالي الذي يبين كيف تصل احتمالية الربح إلى 100% عندما يتخطى عدد الصفقات حاجز الـ 800,000:

high-frequency-traders-2 

كما يوضح الرسم التالي متوسط صافي الدخل اليومي لشركة فيرتو منذ الربع الأول في 2014 وحتى الربع الأول في 2016:

virtu

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.