التصنيفاتالأسواق الماليةالذكاء الاصطناعي

مرة أخرى، تفوق الروبوتات على البشر

 بعد الفوضى العارمة التي شهدتها الأسواق العالمية في الأسبوع الماضي اثر التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ــ على عكس التوقعات ــ ، تبيّنت مرة أخرى الأفضلية المطلقة لخوارزميات التداول من خلال المكاسب الواضحة التي حققتها صناديق ومحافظ التداول العالي التردد. بالإضافة إلى عاملي البطئ والعاطفة اللذان يسيطران على عملية التداول عند البشر، يلعب “الإسقاط” أيضاً دوراً كبيراً في عملية اتخاذ القرار. بشكل مختصر، الإسقاط هو أحد أشهر أنواع التحيّز الذي يقع به المتداولون البشر، حيث يقوم كل منهم بالتداول بناء على الأخبار التي تتناسب مع توقعاته وتفضيلاته الشخصية، فبمجرد ما رأى العديد من المتداولين النتائج الأولية لتصويت “البريكزت”، قام أغلبهم باعتبار النتائج تلك نتائجاً نهائية كونها أقرب إلى الواقع والمنطق، حيث كانت تشير أغلب التحليلات الاقتصادية آنذاك بضرورة بقاء بريطانيا بالاتحاد الأوروبي، من الناحية الاقتصادية على الأقل.

إذاً، لعل السبب الأكبر وراء تفوق روبوتات التداول ــ عن طريق الخوارزميات والتداول عالي التردد ــ هو غياب جميع أنواع المغالطات الفكرية في التداول وذلك لانعدام الجانب النفسي في التداول، بالإضافة إلى ذلك، تقوم تلك الروبوتات بالتداول خلال سرعات تصل إلى أرقام فلكية، مما يمكنها من استغلال بطئ سرعة التداول لدى المستثمرون العاديون من البشر، فتكون النتيجة النهائية ربح شبه مضمون. بالتالي، لا تتداول الروبوتات بناء على الأخبار ــ كما يقوم المتداول التقليدي ــ ، ولكن بناء على حالة السوق والأوامر التي يقوم المتداولون البشر بإرسالها إلى الأسواق. على سبيل المثال، صرّح ايفيس بالسر، وهو أحد مؤسسي فورت ال بي والتي تتداول عن طريق الخوارزميات، بأن النماذج الخوارزمية التي تستخدمها فورت ال بي قررت ببساطة أن لا تعمل أي شيء وسط الفوضى التي انتابت الأسواق، حيث جاء هذا القرار بناء على التذبذب الهائل الذي أصاب أغلب الأسواق والسلع، وفي نهاية المطاف، صعدت محافظ فورت ال بي بمعدل 3%، مع العلم أن قيمة المحافظ تتجاوز الـ 2 مليار دولار. وكذلك هو الحال في أسواق العملات والذهب، حيث صعدت قيمة ألتيجرس ــ وهي محفظة خوارزمية بالكامل ــ أكثر من 4% في الجمعة الماضية.

أما بالنسبة للمحافظ التقليدية التي يقوم بإدارتها مدراء محافظ من ذوي الطابع التقليدي، فقد كان للتصويت وقعاً أكبر، حيث وضّح تقرير صادر من أحد مراكز البحث في صناديق التحوط في شيكاغو، خسارة محافظ التحوط المبنية على مؤشر السوق أكثر من 2.1% في يوم واحد فقط (الجمعة الماضية). في ذات اليوم أيضاً، خسرت أحد شركات إدارة الأصول أكثر من 14.4%، كما ظهر في التقرير الصادر عن بلومبيرغ.

AI

إذاً، مع مرور الوقت، تتبين أكثر استحالة الاستفادة من عمليات المضاربة في أسواق اليوم، إلا إذا تمت تلك العمليات عن طريق روبوتات مبرمجة بدقة متناهية ــ بالإضافة إلى استغلالها سرعات اتصال فلكية ــ ، وهو ما يؤكد جميع التنبؤات والتوقعات المستقبلية لحالة الأسواق، والتي باتت تستقطب مهارات مختلفة كلياً عن السابق، فقبل عقود بسيطة من الزمن، كان التركيز الأكبر يصب في مصلحة شهادات الاقتصاد والمحاسبة والتمويل، ولكن اليوم يقع التركيز الأكبر على مهارة المبرمج ــ سواء بشهادة أو بغيرها ــ وعلى ذكاء عالم الرياضيات والبيانات لصناعة نماذج خوارزمية فائقة التعقيد تحقق أرباحاً شبه مضمونة.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.