التصنيفاتالأسواق الماليةالذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي والأسواق المالية

أصبح التداول الالكتروني من ضمن المسلمّات التي يؤمن بها أي متداول في العصر الحالي، بغض النظر عن التفاوت في درجات الاعتماد على التكنولوجيا، فمن المستثمرين من يكتفي بالاستخدام السطحي للتكنولوجيا فقط، ومنهم من روّض لغات البرمجة بمختلف أنواعها لصالح استراتيجيات التداول، كاستراتيجيات التداول عالي التردد على سبيل المثال.

 لكن، من المذهل جداً، ظهور تطبيقات واعدة جداً للذكاء الاصطناعي في التداول، من خلال بوابة التداول عالي التردد، والذي سبق التطرق إليه في مقال سابق. بطبيعة الحال، تعتمد استراتيجيات التداول عالي التردد على لغات البرمجة لكتابة الخوارزميات بمختلف أشكالها، ولكن ماذا لو تم تطوير هذه الخوارزميات بحيث تمكّن أجهزة الحواسب من تحقيق التطوير الذاتي -ولو بنسبة بسيطة- على فترات زمنية طويلة؟ هذا هو التوجه الكبير الآن في الأوساط المالية، حيث لم تعد سرعة ردة الفعل البشرية في اتخاذ القرار كافية في وقتنا الحالي، فلا بد من الاعتماد على جهاز لديه القدرة في اتخاذ القرار بأقل من ثانية، وربما أقل من ميلي ثانية في بعض الأحيان.

 ربّما يتساءل القارئ، ماذا يميّز الذكاء الاصطناعي عن طرق التداول الكمّي التقليدية؟ يقع الاختلاف بنقطة محورية وهي تأسيس استراتيجية التداول. تحت مظلة التداول الكمّي، يقوم الإنسان -عادة عن طريق عالم رياضيّات- بصنع أو كتابة نموذج رياضي يقوم جهاز الحاسب بالتداول من خلاله، لكن الحال مختلف تماماً عند تطبيق الذكاء الاصطناعي، حيث يقوم المبرمج بكتابة البرنامج، ومن ثم يقوم البرنامج بتطوير وتغيير استراتيجيات التداول يوماً بعد يوم إلى أن يصل إلى استراتيجية مناسبة، تتغير بتغير أحوال السوق. إذاً، من ناحية المفهوم، قد نلاحظ أن الذكاء الاصطناعي يوفر مرونة هائلة تتمثل في توفير الوقت والجهد، بالإضافة إلى سرعة ردة الفعل، حيث تصل إلى أرقام فلكية، كالنانو ثانية على سبيل المثال.

 كما هو متوقّع، زادت شعبية محافظ التحّوط القائمة على أسس الذكاء الاصطناعي في الفترة الأخيرة، فالشكل التالي يوضّح زيادة عدد تلك المحافظ في السنوات الأخيرة، حيث كانت 40% من المحافظ التحوطيّة في سنة 2014 من ضمن المحافظ النظامية التي تطبّق الذكاء الاصطناعي كجزء من استراتيجياتها في التداول، أما الشكل الذي يليه يبيّن أداء تلك المحافظ مقارنة بمحافظ التحّوط العادية، ويُلاحظ من الشكل الأداء الملفت لمحافظ الذكاء الاصطناعي، حيث تفوّقت على المحافظ التقليدية، إلا في سنة 2012:

 AI1

AI2

أحد أبرز الأمثلة الواعدة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الأسواق المالية هي آيديا والتي حصلت ملايين الدولارات من التمويل. عن طريق الذكاء الاصطناعي، آيديا تستطيع الكشف عن أنماط في السعر لا تصل إليها طرق البرمجة التقليدية، حيث تقوم بخلق شبكة عصبية معقدة جداً تربط بين عوامل قد لا تكون منطقية للعقل البشري، كعلاقة أسعار الحليب بنتائج المباريات الرياضية على سبيل المثال. عن طريق الشبكة ذاتها، يمكن للأجهزة أن تخطو خطوة أكبر أيضاً، وهي توقّع الأسعار والأنماط المستقبلية.

 بالطبع، لا تخلو هذه الأنظمة من المشاكل، لاسيما أنها تعتمد على أجهزة تعمل وفق أنظمة معينة لا تحيد عنها. على سبيل المثال، خسرت شركة نايت كابتال في 2012 أكثر من 400 مليون دولار في نصف ساعة فقط بسبب خطأ برمجي. ولكن، إذا نظرنا إلى الجانب الإيجابي، سنجد أن أجهزة الحاسب لا تشعر بالضغط النفسي الشديد الذي قد يتعرض له الإنسان أثناء التداول، ولا تحمل أية مشاعر عاطفية أيضاً، مما يرفع نسبة تطبيقها لاستراتيجيات التداول إلى 100% لإنها أجهزة تطبق استراتيجيات التداول بحذافيرها دون أدنى خوف.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.