التصنيفاتالاقتصادالبنوك المركزية

هل تسرّع الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة؟

قام الفيدرالي الأمريكي في ديسمبر الماضي برفع الفائدة بقرار تاريخي بمعدل 25 نقطة أساس، وهو قرار لم يقم به منذ أكثر من تسعة سنوات. كما ذكرت في مقال سابق، قرار الرفع لم يمكن مفاجئاً لأن الاقتصاد الأمريكي أظهر أعراضاً صحية أبرزها كان انخفاض معدلات البطالة. لكن، الغريب في الأمر هو قيام الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة على الرغم من أن توقعاته للتضخم في سنة 2016 لم تتجاوز 1.6% وهي أقل من المعدل المستهدف للتضخم وهو 2 في المائة.

إذاً من الناحية النظرية، توقعات الفيدرالي الأمريكي للتضخم المتوقع في سنة 2016 كانت تعطي دلالة على عدم دوران العجلة الاقتصادية بالشكل المطلوب لإن معدل التضخم المتوقع كان أقل من المعدل المستهدف، وبالتالي كان للفيدرالي الأمريكي في ذاك الوقت طريقان مختلفان: إما الإبقاء على سعر الفائدة وعدم التغيير، أو إدراج المزيد من برامج التيسير الكمي، وهو فعلاً ما يدور اليوم في الأوساط المالية. لا أعلم إذا كان الفيدرالي مجبراً على اتخاذ قرار رفع الفائدة في ذلك الوقت، ولكن مثل هذه القرارات قد تؤثر بشكل كبير على جدية الاحتياطي الفيدرالي باستهداف معدلات التضخم التي يرسمها.

يلاحظ المتابع للساحة الاقتصادية اليوم الفوضى العارمة التي تسود الاقتصاد العالمي، على سبيل المثال، انتعشت الأسواق اليابانية على وقع قرار البنك المركزي الياباني بفرض الفائدة السالبة، قبل أن تهبط بحوالي 5% في الجمعة الفائتة، كما هو الحال في الأسواق الأمريكية ومعظم الأسواق الأمريكية، ناهيك عن تدني أسعار النفط التي بلغت 26 دولار (في وقت كتابة هذا المقال)، بالتالي هناك مخاوف حقيقية من دخول الاقتصاد العالمي في نفق الكساد.

لم يمر على قرار الاحتياطي الفيدرالي أكثر من ثلاثة أشهر، وها نحن اليوم نناقش بجدية احتمالية خفض الفائدة مجدداً، قد لا يراها البعض قضية مصيرية، ولكنها حتماً ستخدش ثقة المستثمرين والمحللين في الاحتياطي الفيدرالي لاسيما أن هناك مؤشرات رسمية تصدر في فترات ثابتة من محللين لهم سمعتهم في الأوساط المالية، بحيث يتوقع من خلالها المحللون احتمالية تغيير الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة في الفترات المقبلة. من ناحية أخرى، لاتزال أسعار الفائدة منخفضة جداً، فهل يعني ذلك دخول الاقتصاد الأمريكي بدائرة الفائدة السالبة أسوةً باليابان والسويد؟ إنه بلا شك سيناريو محتمل من الناحية النظرية، ولكنني أستبعده من الناحية العملية، خصوصاً بعد تصريح رئيسة الفيدرالي جانيت يلين بصعوبة تطبيق هذه السياسة والشك بقانونيتها أصلاً.

أنا لست اقتصادياً محنكاً على الإطلاق، لكن من وجهة نظري المتواضعة، على الفيدرالي أن يكون حذراً جداً باتباع أي وسيلة من وسائل التيسير الكمي دون التأكد من وجود قنوات وفرص كافية للاستثمار، فقد يشكل فرض الفائدة السالبة في وقت مثل هذا معضلة اقتصادية تكاليفها قد تفوق فوائدها، لاسيما أن فرص الاستثمار شحيحة، والأسواق المالية قد تكون في أسوأ حالاتها، بالتالي، في ظل هذا السيناريو، قد تضطر البنوك والمؤسسات بالاحتفاظ بالنقد بدلاً من الاستثمار، مما قد يؤدي إلى عرقلة النمو الاقتصادي وتوسّع دائرة الكساد.

لربما حان الوقت للتخلي عن أدوات السياسية النقدية التقليدية والتحرك إلى أدوات جديدة أو سياسات جديدة بالكامل، على سبيل المثال، اقترح الاقتصادي سكوت سمنر استهداف معدلات الإنفاق في الاقتصاد بشكل مباشر، كوسيلة لإنعاش الاقتصاد المحلي. على كل حال، تبقى الكرة الآن في ملعب الاحتياطي الفيدرالي، حيث تترقب الأوساط المالية اليوم شهر مارس القادم للتعرف على قرار الفيدرالي الأمريكي حول سعر الفائدة.

نُشرت بواسطة عبدالرحمن الفرهود

عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التجارية، وطالب دكتوراه حالياً في جامعة مانشستر، بعيداً عن الدراسه والعمل، أتداول في سوق الأسهم الأمريكي وسوق العملات الرقمية.